الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ }

يقول تعالى منبهاً على شرف إبراهيم خليله عليه السلام، وأن الله تعالى جعله إماماً للناس يقتدى به في التوحيد حين قام بما كلفه الله تعالى به من الأوامر والنواهي، ولهذا قال { وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَٰهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَـٰتٍ } أي واذكر يا محمد لهؤلاء المشركين وأهل الكتابين الذين ينتحلون ملة إبراهيم، وليسوا عليها، وإنما الذي هو عليها مستقيم فأنت والذين معك من المؤمنين، اذكر لهؤلاء ابتلاء الله إبراهيم، أي اختباره له بما كلفه به من الأوامر والنواهي فأتمهن أي قام بهن كلهن كما قال تعالىوَإِبْرَٰهِيمَ ٱلَّذِى وَفَّىٰ } النجم 37 أي وفى جميع ما شرع له، فعمل به صلوات الله عليه. وقال تعالىإِنَّ إِبْرَٰهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَـٰنِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ شَاكِراً لأَنْعُمِهِ ٱجْتَبَـٰهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ وَءاتَيْنَـٰهُ فِى ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِى ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ ٱتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَٰهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } النحل 120 ـ 123 وقال تعالىقُلْ إِنَّنِى هَدَانِى رَبِّىۤ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } الأنعام 161، وقال تعالىمَا كَانَ إِبْرَٰهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ إِنَّ أَوْلَى ٱلنَّاسِ بِإِبْرَٰهِيمَ لَلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ وَهَـٰذَا ٱلنَّبِىُّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱللَّهُ وَلِىُّ ٱلْمُؤْمِنِينَ } آل عمران 67 ـ 68، وقوله تعالى { بِكَلِمَـٰتٍ } أي بشرائع وأوامر ونواه، فإن الكلمات تطلق، ويراد بها الكلمات القدرية كقوله تعالى عن مريم عليها السلاموَصَدَّقَتْ بِكَلِمَـٰتِ رَبَّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ ٱلْقَانِتِينَ } التحريم 12 وتطلق، ويراد بها الشرعية، كقوله تعالىوَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً } الأنعام 115 أي كلماته الشرعية، وهي إما خبر صدق، وإما طلب عدل إن كان أمراً أو نهياً، ومن ذلك هذه الآية الكريمة { وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَٰهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَـٰتٍ فَأَتَمَّهُنَّ } ، أي قام بهن. قال { إِنِّى جَـٰعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا } أي جزاء على ما فعل، كما قام بالأوامر وترك الزواجر جعله الله للناس قدوة، وإماماً يقتدى به ويحتذى حذوه. وقد اختلف في تعيين الكلمات التي اختبر الله بها إبراهيم الخليل عليه السلام، فروي عن ابن عباس في ذلك روايات، فقال عبد الرزاق، عن معمر عن قتادة قال ابن عباس ابتلاه الله بالمناسك، وكذا رواه أبو إسحاق السبيعي عن التميمي عن ابن عباس. وقال عبد الرزاق أيضاً، أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس { وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَٰهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَـٰتٍ } ، قال ابتلاه بالطهارة خمس في الرأس، وخمس في الجسد، في الرأس قص الشارب، والمضمضة، والاستنشاق، والسواك، وفرق الرأس، وفي الجسد تقليم الأظفار، وحلق العانة، والختان، ونتف الإبط، وغسل أثر الغائط والبول بالماء. قال ابن أبي حاتم وروي عن سعيد بن المسيب ومجاهد والشعبي والنخعي، وأبي صالح وأبي الجلد نحو ذلك، قلت وقريب من هذا ما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها، قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

السابقالتالي
2 3 4 5 6