نهى الله تعالى المؤمنين في هذه الآية الكريمة، عن كثرة سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن الأشياء قبل كونها كما قال تعالى{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْءَانُ تُبْدَ لَكُمْ } المائدة 101 أي وإن تسألوا عن تفصيلها بعد نزولها، تبين لكم، ولا تسألوا عن الشيء قبل كونه، فلعله أن يحرم من أجل تلك المسألة، ولهذا جاء في الصحيح " إن أعظم المسلمين جرماً من سأل عن شيء لم يحرم، فحرم من أجل مسألته " ولما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد مع امرأته رجلاً، فإن تكلم تكلم بأمر عظيم، وإن سكت سكت على مثل ذلك، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها، ثم أنزل الله حكم الملاعنة، ولهذا ثبت في الصحيحين، من حديث المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال. وفي صحيح مسلم " ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بأمر، فأتوا منه ما استطعتم، وإن نهيتكم عن شيء، فاجتنبوه " وهذا إنما قاله بعد ما أخبرهم أن الله كتب عليهم الحج، فقال رجل أكل عام يا رسول الله؟ فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً، ثم قال عليه السلام " لا، ولو قلت نعم، لوجبت، ولو وجبت لما استطعتم " ، ثم قال " ذروني ما تركتكم " الحديث، ولهذا قال أنس بن مالك نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء، فكان يعجبنا أن يأتي الرجل من أهل البادية فيسأله ونحن نسمع. وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده أخبرنا أبو كريب، أخبرنا إسحاق بن سليمان، عن أبي سنان عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب، قال إن كان ليأتي عليّ السنة، أريد أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشيء، فأتهيب منه، وإن كنا لنتمنى الأعراب. وقال البزار أخبرنا محمد بن المثنى، أخبرنا ابن فضيل عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال ما رأيت قوماً خيراً من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ما سألوه إلا عن اثنتي عشرة مسألة، كلها في القرآن{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ } البقرة 219 و{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ } البقرة 217{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَـٰمَىٰ } البقرة 220، يعني هذا وأشباهه. وقوله تعالى { أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْـأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ } أي بل تريدون، أو هي على بابها في الاستفهام، وهو إنكاري، وهو يعمّ المؤمنين والكافرين، فإنه عليه السلام رسول الله إلى الجميع، كما قال تعالى