الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ مَن كَانَ فِي ٱلضَّلَـٰلَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَدّاً حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ إِمَّا ٱلعَذَابَ وَإِمَّا ٱلسَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً }

يقول تعالى { قُلْ } يا محمد لهؤلاء المشركين بربهم، المدعين أنهم على حق، وأنكم على باطل { مَن كَانَ فِي ٱلضَّلَـٰلَةِ } أي منا ومنكم { فَلْيَمْدُدْ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَدّاً } أي فأمهله الرحمن فيما هو فيه حتى يلقى ربه، وينقضي أجله، { إِمَّا ٱلعَذَابَ } يصيبه { وَإِمَّا ٱلسَّاعَةَ } بغتة تأتيه { فَسَيَعْلَمُونَ } حينئذ { مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً } في مقابلة ما احتجوا به من خيرية المقام وحسن الندى. قال مجاهد في قوله { فَلْيَمْدُدْ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَدّاً } فليدعه الله في طغيانه، وهكذا قرر ذلك أبو جعفر بن جرير رحمه الله، وهذه مباهلة للمشركين الذين يزعمون أنهم على هدى فيما هم فيه كما ذكر تعالى مباهلة اليهود في قولهقُلْ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ هَادُوۤاْ إِن زَعمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَآءُ لِلَّهِ مِن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } الجمعة 6 أي ادعوا بالموت على المبطل منا أو منكم، إن كنتم تدعون أنكم على الحق، فإنه لا يضركم الدعاء، فنكلوا عن ذلك، وقد تقدم تقرير ذلك في سورة البقرة مبسوطاً، ولله الحمد، وكما ذكر تعالى المباهلة مع النصارى في سورة آل عمران حين صمموا على الكفر، واستمروا على الطغيان والغلو في دعواهم أن عيسى ولد الله، وقد ذكر الله حججه وبراهينه على عبودية عيسى، وأنه مخلوق كآدم، قال تعالى بعد ذلكفَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَـٰذِبِينَ } آل عمران 61 فنكلوا أيضاً عن ذلك.