الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ مِن ذُرِّيَّةِ ءَادَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَٱجْتَبَيْنَآ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ ٱلرَّحْمَـٰنِ خَرُّواْ سُجَّداً وَبُكِيّاً }

يقول تعالى هؤلاء النبيون - وليس المراد المذكورين في هذه السورة فقط، بل جنس الأنبياء عليهم السلام، استطرد من ذكر الأشخاص إلى الجنس - { ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ مِن ذُرِّيَّةِ ءادَمَ } الآية، قال السدي وابن جرير رحمه الله فالذي عنى به من ذرية آدم إدريس، والذي عنى به من ذرية من حملنا مع نوح إبراهيم، والذي عنى به من ذرية إبراهيم إسحاق ويعقوب وإسماعيل، والذي عنى به من ذرية إسرائيل موسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى بن مريم، قال ابن جرير ولذلك فرق أنسابهم، وإن كان يجمع جميعهم آدم لأن فيهم من ليس من ولد من كان مع نوح في السفينة، وهو إدريس، فإنه جد نوح قلت هذا هو الأظهر أن إدريس في عمود نسب نوح عليهما السلام، وقد قيل إنه من أنبياء بني إسرائيل أخذاً من حديث الإسراء، حيث قال في سلامه على النبي صلى الله عليه وسلم مرحباً بالنبي الصالح والأخ الصالح، ولم يقل والولد الصالح، كما قال آدم وإبراهيم عليهما السلام. وروى ابن أبي حاتم حدثنا يونس، أنبأنا ابن وهب، أخبرني ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الله بن عمر أن إدريس أقدم من نوح، فبعثه الله إلى قومه، فأمرهم أن يقولوا لا إله إلا الله، ويعملوا ما شاؤوا، فأبوا، فأهلكهم الله عز وجل، ومما يؤيد أن المراد بهذه الآية جنس الأنبياء أنها كقوله تعالى في سورة الأنعاموَتِلْكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيْنَـٰهَآ إِبْرَٰهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَـٰتٍ مَّن نَّشَآءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَـٰقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَـٰنَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَـٰرُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِين وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ وَإِسْمَاعِيلَ وَٱلْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى ٱلْعَالَمِينَ وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَٱجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } -إلى قوله -أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ } الأنعام 83 - 90 وقال سبحانه وتعالىمِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ } غافر 78. وفي " صحيح البخاري " عن مجاهد أنه سأل ابن عباس أفي { صۤ } سجدة؟ فقال نعم، ثم تلا هذه الآية { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ } فنبيكم ممن أمر أن يقتدي بهم، قال وهو منهم، يعني داود. وقال الله تعالى في هذه الآية الكريمة { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءايَـٰتُ ٱلرَّحْمَـٰنِ خَرُّواْ سُجَّداً وَبُكِيّاً } أي إذا سمعوا كلام الله المتضمن حججه ودلائله وبراهينه، سجدوا لربهم خضوعاً واستكانة وحمداً وشكراً على ما هم فيه من النعم العظيمة، والبكي جمع باك، فلهذا أجمع العلماء على شرعية السجود ههنا اقتداء بهم واتباعاً لمنوالهم. قال سفيان الثوري عن الأعمش عن إبراهيم عن أبي معمر قال قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه سورة مريم، فسجد، وقال هذا السجود، فأين البكي؟ يريد البكاء، رواه ابن أبي حاتم وابن جرير، وسقط من روايته ذكر أبي معمر فيما رأيت، فالله أعلم.