الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ مُوسَىٰ إِنَّهُ كَانَ مُخْلِصاً وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً } * { وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً } * { وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَآ أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً }

لما ذكر تعالى إبراهيم الخليل وأثنى عليه، عطف بذكر الكليم، فقال { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَـٰبِ مُوسَىٰ إِنَّهُ كَانَ مُخْلِصاً } قرأ بعضهم بكسر اللام، من الإخلاص في العبادة. قال الثوري عن عبد العزيز بن رفيع، عن أبي لبابة قال قال الحواريون يا روح الله أخبرنا عن المخلص لله؟ قال الذي يعمل لله، لا يحب أن يحمده الناس، وقرأ الآخرون بفتحها، بمعنى أنه كان مصطفى، كما قال تعالىإِنْي ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ } الأعراف 144 { وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً } جمع الله له بين الوصفين، فإنه كان من المرسلين الكبار أولي العزم الخمسة، وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم وعلى سائر الأنبياء أجمعين. وقوله { وَنَـٰدَيْنَـٰهُ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ } أي الجبل { ٱلأَيْمَنِ } من موسى حين ذهب يبتغي من تلك النار جذوة، فرآها تلوح، فقصدها، فوجدها في جانب الطور الأيمن منه غربية عند شاطىء الوادي، فكلمه الله تعالى وناداه، وقربه فناجاه. روى ابن جرير حدثنا ابن بشار، حدثنا يحيى، هو القطان، حدثنا سفيان عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس { وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً } قال أدني حتى سمع صريف القلم، وهكذا قال مجاهد وأبو العالية وغيرهم، يعنون صريف القلم بكتابة التوراة. وقال السدي { وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً } قال أدخل في السماء فكلم، وعن مجاهد نحوه. وقال عبد الرزاق عن معمر، عن قتادة { وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً } قال نجا بصدقه. وروى ابن أبي حاتم حدثنا عبد الجبار بن عاصم، حدثنا محمد بن سلمة الحراني عن أبي واصل، عن شهر بن حوشب، عن عمرو بن معد يكرب قال لما قرب الله موسى نجياً بطور سيناء قال يا موسى إذا خلقت لك قلباً شاكراً، ولساناً ذاكراً، وزوجة تعين على الخير، فلم أخزن عنك من الخير شيئاً، ومن أخزن عنه هذا، فلم أفتح له من الخير شيئاً، وقوله { وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَآ أَخَاهُ هَـٰرُونَ نَبِيّاً } أي وأجبنا سؤاله وشفاعته في أخيه، فجعلناه نبياً، كما قال في الآية الأخرىوَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهِ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ } القصص 34 وقالقَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يٰمُوسَىٰ } طه 36 وقالفَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَـٰرُونَ وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ } الشعراء 13 - 14 ولهذا قال بعض السلف ما شفع أحد في أحد شفاعة في الدنيا أعظم من شفاعة موسى في هارون أن يكون نبياً، قال الله تعالى { وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَآ أَخَاهُ هَـٰرُونَ نَبِيّاً } قال ابن جرير حدثنا يعقوب، حدثنا ابن علية عن داود عن عكرمة قال قال ابن عباس قوله { وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَآ أَخَاهُ هَـٰرُونَ نَبِيّاً } قال كان هارون أكبر من موسى، ولكن أراد وهب له نبوته، وقد ذكره ابن أبي حاتم معلقاً عن يعقوب، وهو ابن إبراهيم الدّورقي به.