الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ فَحَمَلَتْهُ فَٱنْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً } * { فَأَجَآءَهَا ٱلْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ قَالَتْ يٰلَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً }

يقول تعالى مخبراً عن مريم أنها لما قال لها جبريل عن الله تعالى ما قال، أنها استسلمت لقضاء الله تعالى، فذكر غير واحد من علماء السلف أن الملك، وهو جبرائيل عليه السلام عند ذلك، نفخ في جيب درعها، فنزلت النفخة حتى ولجت في الفرج، فحملت بالولد بإذن الله تعالى، فلما حملت به، ضاقت ذرعاً، ولم تدر ماذا تقول للناس، فإنها تعلم أن الناس لا يصدقونها فيما تخبرهم به، غير أنها أفشت سرها، وذكرت أمرها لأختها امرأة زكريا، وذلك أن زكريا عليه السلام كان قد سأل الله الولد، فأجيب إلى ذلك، فحملت امرأته، فدخلت عليها مريم، فقامت إليها فاعتنقتها، وقالت أشعرت يا مريم أني حبلى؟ فقالت لها مريم وهل علمت أيضاً أني حبلى، وذكرت لها شأنها وما كان من خبرها، وكانوا بيت إيمان وتصديق، ثم كانت امرأة زكريا بعد ذلك إذا واجهت مريم، تجد الذي في بطنها يسجد للذي في بطن مريم، أي يعظمه ويخضع له، فإن السجود كان في ملتهم عند السلام مشروعاً، كما سجد ليوسف أبواه وإخوته، وكما أمر الله الملائكة أن يسجدوا لآدم عليه السلام، ولكن حرم في ملتنا هذه تكميلاً لتعظيم جلال الرب تعالى. قال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين قال قُرىء على الحارث ابن مسكين وأنا أسمع، قال أخبرنا عبد الرحمن بن القاسم قال قال مالك رحمه الله بلغني أن عيسى ابن مريم ويحيى بن زكريا عليهما السلام ابنا خالة، وكان حملهما جميعاً معاً، فبلغني أن أم يحيى قالت لمريم إني أرى أن ما في بطني يسجد لما في بطنك. قال مالك أرى ذلك لتفضيل عيسى عليه السلام لأن الله جعله يحيي الموتى، ويبرىء الأكمه والأبرص، ثم اختلف المفسرون في مدة حمل عيسى عليه السلام، فالمشهور عن الجمهور أنها حملت به تسعة أشهر. وقال عكرمة ثمانية أشهر، قال ولهذا لا يعيش ولد الثمانية أشهر. وقال ابن جريج أخبرني المغيرة بن عثمان بن عبد الله الثقفي، سمع ابن عباس، وسئل عن حمل مريم، قال لم يكن إلا أن حملت فوضعت، وهذا غريب، وكأنه مأخوذ من ظاهر قوله تعالى { فَحَمَلَتْهُ فَٱنْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً فَأَجَآءَهَا ٱلْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ } فالفاء وإن كانت للتعقيب، لكن تعقيب كل شيء بحسبه، كقوله تعالىوَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَـٰنَ مِن سُلَـٰلَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَـٰهُ نُطْفَةً فِى قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا ٱلنُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا ٱلْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا ٱلْمُضْغَةَ عِظَاماً } المؤمنون 12 - 14 فهذه الفاء للتعقيب بحسبها. وقد ثبت في " الصحيحين " أن بين كل صفتين أربعين يوماً، وقال تعالىأَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَتُصْبِحُ ٱلأَرْضُ مُخْضَرَّةً }

السابقالتالي
2 3