الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَٰهُ لاۤ أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً } * { فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ٱلْبَحْرِ سَرَباً } * { فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَٰهُ آتِنَا غَدَآءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا نَصَباً } * { قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى ٱلصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ ٱلْحُوتَ وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَٰنُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ٱلْبَحْرِ عَجَباً } * { قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَٱرْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصاً } * { فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَآ آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً }

سبب قول موسى لفتاه، وهو يوشع بن نون، هذا الكلام، أنه ذكر له أن عبداً من عباد الله بمجمع البحرين عنده من العلم ما لم يحط به موسى، فأحب الرحيل إليه، وقال لفتاه ذلك { لاۤ أَبْرَحُ } أي لا أزال سائراً { حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ ٱلْبَحْرَيْنِ } أي هذا المكان الذي فيه مجمع البحرين، قال الفرزدق
فَما بَرِحُوا حَتَّى تَهادَتْ نِساؤُهُمْ بِبَطْحاءِ ذي قارٍ عِيابَ اللَّطائِمِ   
قال قتادة وغير واحد هما بحر فارس مما يلي المشرق، وبحر الروم مما يلي المغرب، وقال محمد بن كعب القرظي مجمع البحرين عند طنجة، يعني في أقصى بلاد المغرب، فالله أعلم. وقوله { أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً } أي ولو أني أسير حقباً من الزمان. قال ابن جرير رحمه الله ذكر بعض أهل العلم بكلام العرب أن الحقب في لغة قيس سنة، ثم روي عن عبد الله بن عمرو أنه قال الحقب ثمانون سنة. وقال مجاهد سبعون خريفاً. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله { أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً } قال دهراً، وقال قتادة وابن زيد مثل ذلك. وقوله { فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا } وذلك أنه كان قد أمر بحمل حوت مملوح معه، وقيل له متى فقدت الحوت، فهو ثمة، فسارا حتى بلغا مجمع البحرين، وهناك عين يقال لها عين الحياة، فناما هنالك، وأصاب الحوت من رشاش ذلك الماء، فاضطرب وكان في مكتل مع يوشع عليه السلام، وطفر من المكتل إلى البحر، فاستيقظ يوشع عليه السلام، وسقط الحوت في البحر، فجعل يسير في الماء، والماء له مثل الطاق لا يلتئم بعده، ولهذا قال تعالى { فَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ٱلْبَحْرِ سَرَبًا } أي مثل السرب في الأرض. قال ابن جريج قال ابن عباس صار أثره كأنه حجر. وقال العوفي عن ابن عباس جعل الحوت لا يمسّ شيئاً من البحر إلا يبس حتى يكون صخرة. وقال محمد ابن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس، عن أبي بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكر حديث ذلك " ما انجاب ماء منذ كان الناس غير مسير مكان الحوت الذي فيه، فانجاب كالكوة حتى رجع إليه موسى فرأى مسلكه، فقال { ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ } " وقال قتادة سرب من البر حتى أفضى إلى البحر، ثم سلك فيه فجعل لا يسلك طريقاً فيه إلا صار ماء جامداً. وقوله { فَلَمَّا جَاوَزَا } أي المكان الذي نسيا الحوت فيه، ونسب النسيان إليهما، وإن كان يوشع هو الذي نسيه، كقوله تعالىيَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ } الرحمن 22 وإنما يخرج من المالح على أحد القولين، فلما ذهبا عن المكان الذي نسياه فيه بمرحلة { قَالَ } موسى { لِفَتَـٰهُ ءَاتِنَا غَدَآءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَـٰذَا } أي الذي جاوزا فيه المكان { نَصَباً } يعني تعباً { قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى ٱلصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ ٱلْحُوتَ وَمَآ أَنْسَانِيهُ إِلاَّ ٱلشَّيْطَـٰنُ أَنْ أَذْكُرَهُ } قال قتادة وقرأ ابن مسعود " وما أنسانيه أن أذكره إلا الشيطان " ولهذا قال { وَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ } أي طريقه { فِي ٱلْبَحْرِ عَجَبًا قَالَ ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ } أي هذا هو الذي نطلب { فَٱرْتَدَّا } أي رجعا { عَلَىٰ ءَاثَارِهِمَا } أي طريقهما { قَصَصًا } أي يقصان آثار مشيهما، ويقفوان أثرهما، { فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَآ ءَاتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا } وهذا هو الخضر عليه السلام، كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8