الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقاً } * { وَرَأَى ٱلْمُجْرِمُونَ ٱلنَّارَ فَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُواْ عَنْهَا مَصْرِفاً }

يقول تعالى مخبراً عما يخاطب به المشركين يوم القيامة على رؤوس الأشهاد تقريعاً لهم وتوبيخاً { نَادُواْ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ } أي في دار الدنيا، ادعوهم اليوم ينقذوكم مما أنتم فيه كما قال تعالىوَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَـٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَـٰكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَآءُ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ } الأنعام 94 وقوله { فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ } كما قالوَقِيلَ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ } القصص 64 الآية، وقالوَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ غَـٰفِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ ٱلنَّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ } الأحقاف5-6 الآيتين، وقال تعالىوَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ ءَالِهَةً لِّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَـٰدَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً } مريم 81 ـ 82 وقوله { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقاً } قال ابن عباس وقتادة وغير واحد مهلكاً، وقال قتادة ذكر لنا أن عمر البكالي حدث عن عبد الله بن عمرو قال هو واد عميق، فرق به يوم القيامة بين أهل الهدى وأهل الضلالة. وقال قتادة موبقاً وادياً في جهنم. وقال ابن جرير حدثني محمد بن سنان القزاز، حدثنا عبد الصمد، حدثنا يزيد بن درهم، سمعت أنس بن مالك يقول في قول الله تعالى { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقاً } قال واد في جهنم من قيح ودم، وقال الحسن البصري موبقاً عداوة، والظاهر من السياق ههنا أنه المهلك، ويجوز أن يكون وادياً في جهنم أو غيره، والمعنى أن الله تعالى بين أنه لا سبيل لهؤلاء المشركين، ولا وصول لهم إلى آلهتهم التي كانوا يزعمون في الدنيا، وأنه يفرق بينهم وبينها في الآخرة، فلا خلاص لأحد من الفريقين إلى الآخر، بل بينهما مهلك وهول عظيم وأمر كبير. وأما إن جعل الضمير في قوله بينهم، عائداً إلى المؤمنين والكافرين كما قال عبد الله بن عمرو إنه يفرق بين أهل الهدى والضلالة به، فهو كقوله تعالىوَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ } الروم 14 وقاليَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ } الروم 43، وقال تعالىوَٱمْتَازُواْ ٱلْيَوْمَ أَيُّهَا ٱلْمُجْرِمُونَ } يس 59، وقال تعالىوَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ } ـ إلى قوله -وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } يونس 28 ـ 30. وقوله { وَرَءَا ٱلْمُجْرِمُونَ ٱلنَّارَ فَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُواْ عَنْهَا مَصْرِفاً } أي إنهم لما عاينوا جهنم حين جيء بها تقاد بسبعين ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك، فإذا رأى المجرمون النار، تحققوا لا محالة أنهم مواقعوها، ليكون ذلك من باب تعجيل الهم والحزن لهم، فإن توقع العذاب والخوف منه قبل وقوعه عذاب ناجز. وقوله { وَلَمْ يَجِدُواْ عَنْهَا مَصْرِفًا } أي ليس لهم طريق يعدل بهم عنها، ولا بد لهم منها.

السابقالتالي
2