الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً } * { مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلْمُضِلِّينَ عَضُداً }

يقول تعالى منبّهاً بني آدم على عداوة إبليس لهم ولأبيهم من قبلهم، ومقرعاً لمن اتبعه منهم، وخالف خالقه ومولاه، وهو الذي أنشأه وابتداه، وبألطافه رزقه وغذاه، ثم بعد هذا كله والى إبليس وعادى الله، فقال تعالى { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَـٰئِكَةِ } أي لجميع الملائكة كما تقدم تقريره في أول سورة البقرة { ٱسْجُدُواْ لآِدَمَ } أي سجود تشريف وتكريم وتعظيم كما قال تعالىوَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَـٰئِكَةِ إِنِّي خَـٰلِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَـٰلٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَـٰجِدِينَ } الحجر 28 - 29. وقوله { فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلْجِنِّ } أي خانه أصله، فإنه خلق من مارج من نار، وأصل خلق الملائكة من نور كما ثبت في " صحيح " مسلم عن عائشة رضي الله عنها، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " خلقت الملائكة من نور، وخلق إبليس من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم " فعند الحاجة نضح كل وعاء بما فيه، وخانه الطبع عند الحاجة وذلك أنه كان قد توسم بأفعال الملائكة وتشبه بهم وتعبد وتنسّك، فلهذا دخل في خطابهم وعصى بالمخالفة، ونبّه تعالى ههنا على أنه من الجن، أي على أنه خلق من نار، كما قالأَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } الأعراف12،ص76 قال الحسن البصري ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط، وإنه لأصل الجن كما أن آدم عليه السلام أصل البشر، رواه ابن جرير بإسناد صحيح عنه. وقال الضحاك عن ابن عباس كان إبليس من حي من أحياء الملائكة يقال لهم الجن، خلقوا من نار السموم من بين الملائكة، وكان اسمه الحارث، وكان خازناً من خزان الجنة، وخلقت الملائكة من نور غير هذا الحي، قال وخلقت الجن الذين ذكروا في القرآن من مارج من نار، وهو لسان النار الذي يكون في طرفها إذا التهبت. وقال الضحاك أيضاً عن ابن عباس كان إبليس من أشرف الملائكة وأكرمهم قبيلة، وكان خازناً على الجنان، وكان له سلطان السماء الدنيا وسلطان الأرض، وكان مما سولت له نفسه من قضاء الله أنه رأى أن له بذلك شرفاً على أهل السماء، فوقع من ذلك في قلبه كبر لا يعلمه إلا الله، واستخرج الله ذلك الكبر منه حين أمره بالسجود لآدموَٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ } البقرة 34. قال ابن عباس قوله { كَانَ مِنَ ٱلْجِنِّ } أي من خزان الجنان، كما يقال للرجل مكي ومدني وبصري وكوفي. وقال ابن جريج عن ابن عباس نحو ذلك، وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال هو من خزان الجنة، وكان يدبر أمر السماء الدنيا، رواه ابن جرير من حديث الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد به.

السابقالتالي
2