الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً } * { إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَـٰذَا رَشَداً }

هذا إرشاد من الله تعالى لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأدب فيما إذا عزم على شيء ليفعله في المستقبل، أن يرد ذلك إلى مشيئة الله عز وجل، علام الغيوب الذي يعلم ما كان، وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون، كما ثبت في " الصحيحين " عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " قال سليمان بن داود عليهما السلام لأطوفن الليلة على سبعين امرأة - وفي رواية تسعين امرأة، وفي رواية مائة امرأة - تلد كل امرأة منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله، فقيل له - وفي رواية قال له الملك - قل إن شاء الله، فلم يقل، فطاف بهم، فلم يلد منهن إلا امرأة واحدة نصف إنسان - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لو قال إن شاء الله لم يحنث، وكان دركاً لحاجته " وفي رواية " ولقاتلوا في سبيل الله فرساناً أجمعين " وقد تقدم في أول السورة ذكر سبب نزول هذه الآية في قول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن قصة أصحاب الكهف " غداً أجيبكم " فتأخر الوحي خمسة عشر يوماً، وقد ذكرناه بطوله في أول السورة، فأغنى عن إعادته. وقوله { وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ } قيل معناه إذا نسيت الاستثناء، فاستثن عند ذكرك له، قاله أبو العالية والحسن البصري، وقال هشيم عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس في الرجل يحلف قال له أن يستثني، ولو إلى سنة، وكان يقول { وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ } في ذلك، قيل للأعمش سمعته عن مجاهد؟ فقال حدثني به ليث بن أبي سليم يرى ذهب كسائي هذا، ورواه الطبراني من حديث أبي معاوية عن الأعمش به. ومعنى قول ابن عباس إنه يستثني ولو بعد سنة، أي إذا نسي أن يقول في حلفه أو في كلامه إن شاء لله، وذكر ولو بعد سنة، فالسنة له أن يقول ذلك، ليكون آتياً بسنة الاستثناء، حتى ولو كان بعد الحنث، قاله ابن جرير رحمه الله، ونص على ذلك، لا أن يكون رافعاً لحنث اليمين، ومسقطاً للكفارة، وهذا الذي قاله ابن جرير رحمه الله هو الصحيح، وهو الأليق بحمل كلام ابن عباس عليه، والله أعلم. وقال عكرمة { وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ } إذا غضبت، وهذا تفسير باللازم. وقد قال الطبراني حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني، حدثنا سعيد بن سلمان، عن عباد بن العوام، عن سفيان بن حسين، عن يعلى بن مسلم، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس { وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَىْءٍ إِنِّى فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَدا إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ } أن تقول إن شاء الله وقال الطبراني حدثنا محمد بن الحارث الجبيلي، حدثنا صفوان بن صالح، حدثنا الوليد بن مسلم عن عبد العزيز بن حصين، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس في قوله { وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّى فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ } أن تقول إن شاء الله، وروى الطبراني أيضاً عن ابن عباس في قوله { وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ } الاستثناء، فاستثن إذا ذكرت، وقال هي خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لأحد منا أن يستثني إلا في صلة من يمينه، ثم قال انفرد به الوليد عن عبد العزيز بن الحصين، ويحتمل في الآية وجه آخر، وهو أن يكون الله تعالى قد أرشد من نسي الشيء في كلامه إلى ذكر الله تعالى لأن النسيان منشؤه من الشيطان كما قال فتى موسى

السابقالتالي
2