الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوۤاْ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُواْ ٱبْنُواْ عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً }

يقول تعالى { وَكَذٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ } أي أطلعنا عليهم الناس { لِيَعْلَمُوۤاْ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيهَا } ذكر غير واحد من السلف أنه كان قد حصل لأهل ذلك الزمان شك في البعث، وفي أمر القيامة. وقال عكرمة كان منهم طائفة قد قالوا تبعث الأرواح ولا تبعث الأجساد، فبعث الله أهل الكهف حجة ودلالة وآية على ذلك، وذكروا أنه لما أراد أحدهم الخروج ليذهب إلى المدينة في شراء شيء لهم ليأكلوه، تنكر وخرج يمشي في غير الجادة حتى انتهى إلى المدينة، وذكروا أن اسمها دقسوس، وهو يظن أنه قريب العهد بها، وكان الناس قد تبدلوا قرناً بعد قرن، وجيلاً بعد جيل، وأمة بعد أمة، وتغيرت البلاد ومن عليها، كما قال الشاعر
أَمَّا الدِّيارُ فَإِنَّها كَدِيارِهِمْ وأَرى رِجالَ الحَيِّ غَيْرَ رِجالِهِ   
فجعل لا يرى شيئاً من معالم البلد التي يعرفها، ولا يعرف أحداً من أهلها لا خواصها، ولا عوامها، فجعل يتحير في نفسه، ويقول لعل بي جنوناً أو مساً أو أنا حالم، ويقول والله ما بي شيء من ذلك، وإن عهدي بهذه البلدة عشية أمس على غير هذه الصفة. ثم قال إن تعجيل الخروج من ههنا لأولى لي، ثم عمد إلى رجل ممن يبيع الطعام، فدفع إليه ما معه من النفقة، وسأله أن يبيعه بها طعاماً، فلما رآها ذلك الرجل، أنكرها، وأنكر ضربها، فدفعها إلى جاره، وجعلوا يتداولونها بينهم، ويقولون لعل هذا وجد كنزاً، فسألوه عن أمره، ومن أين له هذه النفقة، لعله وجدها من كنز، وممن أنت؟ فجعل يقول أنا من أهل هذه البلدة، وعهدي بها عشية أمس، وفيها دقيانوس، فنسبوه إلى الجنون، فحملوه إلى ولي أمرهم، فسأله عن شأنه وخبره حتى أخبرهم بأمره، وهو متحير في حاله وما هو فيه، فلما أعلمهم بذلك، قاموا معه إلى الكهف - ملك البلد وأهلها - حتى انتهى بهم إلى الكهف، فقال لهم دعوني حتى أتقدمكم في الدخول لأعلم أصحابي، فدخل، فيقال إنهم لا يدرون كيف ذهب فيه، وأخفى الله عليهم خبرهم، ويقال بل دخلوا عليهم، ورأوهم، وسلم عليهم الملك، واعتنقهم، وكان مسلماً فيما قيل، واسمه ثيدوسيس، ففرحوا به، وآنسوه بالكلام، ثم ودعوه وسلموا عليه، وعادوا إلى مضاجعهم، وتوفاهم الله عز وجل، فالله أعلم. قال قتادة غزا ابن عباس مع حبيب بن مسلمة، فمروا بكهف في بلاد الروم، فرأوا فيه عظاماً، فقال قائل هذه عظام أهل الكهف، فقال ابن عباس لقد بليت عظامهم من أكثر من ثلثمائة سنة، ورواه ابن جرير، وقوله { وَكَذٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ } أي كما أرقدناهم وأيقظناهم بهيآتهم، أطلعنا عليهم أهل ذلك الزمان { لِيَعْلَمُوۤاْ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَـٰزَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ } أي في أمر القيامة، فمن مثبت لها، ومن منكر، فجعل الله ظهورهم على أصحاب الكهف حجة لهم وعليهم { فَقَالُواْ ٱبْنُواْ عَلَيْهِمْ بُنْيَـٰنًا رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ } أي سدوا عليهم باب كهفهم، وذروهم على حالهم { قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِدًا } حكى ابن جرير في القائلين ذلك قولين أحدهما أنهم المسلمون منهم.

السابقالتالي
2