الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَٱجْعَل لِّي مِن لَّدُنْكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً } * { وَقُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَاطِلُ إِنَّ ٱلْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً }

قال الإمام أحمد حدثنا جرير عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه، عن ابن عباس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، ثم أمر بالهجرة، فأنزل الله { وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِى مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِى مُخْرَجَ صِدْقٍ وَٱجْعَل لِّى مِن لَّدُنْكَ سُلْطَـٰناً نَّصِيرًا } وقال الترمذي حسن صحيح، وقال الحسن البصري في تفسير هذه الآية إن كفار أهل مكة لما ائتمروا برسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتلوه أو يطردوه أو يوثقوه، فأراد الله قتال أهل مكة، أمره أن يخرج إلى المدينة، فهو الذي قال الله عز وجل { وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِى مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِى مُخْرَجَ صِدْقٍ } الآية. وقال قتادة { وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِى مُدْخَلَ صِدْقٍ } يعني المدينة { وَأَخْرِجْنِى مُخْرَجَ صِدْقٍ } يعني مكة، وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وهذا القول هو أشهر الأقوال. وقال العوفي عن ابن عباس { أَدْخِلْنِى مُدْخَلَ صِدْقٍ } يعني الموت { وَأَخْرِجْنِى مُخْرَجَ صِدْقٍ } يعني الحياة بعد الموت، وقيل غير ذلك من الأقوال، والأول أصح، وهو اختيار ابن جرير. وقوله { وَٱجْعَل لِّى مِن لَّدُنْكَ سُلْطَـٰناً نَّصِيرًا } قال الحسن البصري في تفسيرها وعده ربه لينزعن ملك فارس وعز فارس، وليجعلنه له، وملك الروم وعز الروم، وليجعلنه له. وقال قتادة فيها إن نبي الله صلى الله عليه وسلم علم أن لا طاقة له بهذا الأمر إلا بسلطان، فسأل سلطاناً نصيراً لكتاب الله، ولحدود الله، ولفرائض الله، ولإقامة دين الله، فإن السلطان رحمة من الله جعله بين أظهر عباده، ولولا ذلك، لأغار بعضهم على بعض، فأكل شديدهم ضعيفهم، قال مجاهد { سُلْطَـٰناً نَّصِيرًا } حجة بينة، واختار ابن جرير قول الحسن وقتادة، وهو الأرجح لأنه لا بد مع الحق من قهر لمن عاداه وناوأه، ولهذا يقول تعالىلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَـٰتِ } ـ إلى قوله ـوَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ } الآية الحديد 25. وفي الحديث " إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن " أي ليمنع بالسلطان عن ارتكاب الفواحش والآثام مالا يمتنع كثير من الناس بالقرآن وما فيه من الوعيد الأكيد والتهديد الشديد، وهذا هو الواقع. وقوله { وَقُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَاطِلُ } الآية، تهديد ووعيد لكفار قريش، فإنه قد جاءهم من الله الحق الذي لا مرية فيه، ولا قبل لهم به، وهو ما بعثه الله به من القرآن والإيمان والعلم النافع، وزهق باطلهم، أي اضمحل وهلك، فإن الباطل لا ثبات له مع الحق ولا بقاء { بَلْ نَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلَى ٱلْبَـٰطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ }. وقال البخاري حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، عن أبي معمر عن عبد الله بن مسعود قال دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة، وحول البيت ستون وثلثمائة نصب، فجعل يطعنها بعود في يده ويقول

السابقالتالي
2