لما ذكر تعالى بر الوالدين، عطف بذكر الإحسان إلى القرابة وصلة الأرحام، وفي الحديث " أمك وأباك، ثم أدناك أدناك " وفي رواية " ثم الأقرب فالأقرب " ، وفي الحديث " من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أجله، فليصل رحمه " وقال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا عباد بن يعقوب، حدثنا أبو يحيى التميمي، حدثنا فضيل بن مرزوق عن عطية عن أبي سعيد قال لما نزلت { وَءَاتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ } دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة، فأعطاها فدك، ثم قال لا نعلم حدث به عن فضيل بن مرزوق إلا أبو يحيى التميمي وحميد بن حماد بن أبي الخوار، وهذا الحديث مشكل لو صح إسناده لأن الآية مكية، وفدك إنما فتحت مع خيبر سنة سبع من الهجرة، فكيف يلتئم هذا مع هذا؟ فهو إذاً حديث منكر، والأشبه أنه من وضع الرافضة، والله أعلم، وقد تقدم الكلام على المساكين وأبناء السبيل في سورة براءة بما أغنى عن إعادته ههنا. وقوله { وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا } لما أمر بالإنفاق، نهى عن الإسراف فيه، بل يكون وسطاً كما قال في الآية الأخرى{ وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً } الآية الفرقان 67، ثم قال منفراً عن التبذير والسرف { إِنَّ ٱلْمُبَذرِينَ كَانُوۤاْ إِخْوَٰنَ ٱلشَّيَـٰطِينِ } أي أشباههم في ذلك. قال ابن مسعود التبذير الإنفاق في غير حق، وكذا قال ابن عباس، وقال مجاهد لو أنفق إنسان ماله كله في الحق لم يكن مبذراً، ولو أنفق مداً في غير حق كان مبذراً. وقال قتادة التبذير النفقة في معصية الله تعالى، وفي غير الحق والفساد. وقال الإمام أحمد حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال أتى رجل من بني تميم إلى رسول الله فقال يا رسول الله إني ذو مال كثير، وذو أهل وولد وحاضرة، فأخبرني كيف أنفق، وكيف أصنع؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تخرج الزكاة من مالك إن كان، فإنها طهرة تطهرك، وتصل أقرباءك، وتعرف حق السائل والجار والمسكين " فقال يا رسول الله أقلل لي؟ قال { وَءَاتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا } فقال حسبي يا رسول الله إذا أديت الزكاة إلى رسولك، فقد برئت منها إلى الله وإلى رسوله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نعم، إذا أديتها إلى رسولي، فقد برئت منها، ولك أجرها، وإثمها على من بدلها ". وقوله { إِنَّ ٱلْمُبَذرِينَ كَانُوۤاْ إِخْوَٰنَ ٱلشَّيَـٰطِينِ } أي في التبذير والسفه وترك طاعة الله وارتكاب معصيته، ولهذا قال { وَكَانَ ٱلشَّيْطَـٰنُ لِرَبِّهِ كَفُورًا } أي جحوداً لأنه أنكر نعمة الله عليه، ولم يعمل بطاعته، بل أقبل على معصيته ومخالفته. وقوله { وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ٱبْتِغَآءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ } الآية، أي إذا سألك أقاربك ومن أمرناك بإعطائهم، وليس عندك شيء، أعرضت عنهم لفقد النفقة، { فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا } أي عدهم وعداً بسهولة ولين إذا جاء رزق الله، فسنصلكم إن شاء الله، هكذا فسر قوله { فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا } بالوعد، مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وقتادة وغير واحد.