الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ كُلاًّ نُّمِدُّ هَـٰؤُلاۤءِ وَهَـٰؤُلاۤءِ مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً } * { ٱنظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً }

يقول تعالى { كُلاًّ } أي كل واحد من الفريقين الذين أرادوا الدنيا، والذين أرادوا الآخرة، نمدهم فيما فيه { مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ } أي هو المتصرف الحاكم الذي لا يجور، فيعطي كلاً ما يستحقه من السعادة والشقاوة، فلا راد لحكمه ولا مانع لما أعطى، ولا مغير لما أراد، ولهذا قال { وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا } أي لا يمنعه أحد، ولا يرده راد. قال قتادة { وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا } أي منقوصاً، وقال الحسن وغيره أي ممنوعاً، ثم قال تعالى { ٱنظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } أي في الدنيا، فمنهم الغني والفقير وبين ذلك، والحسن والقبيح وبين ذلك، ومن يموت صغيراً، ومن يعمر حتى يبقى شيخاً كبيراً، وبين ذلك { وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَـٰتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً } أي ولتفاوتهم في الدار الآخرة أكبر من الدنيا، فإن منهم من يكون في الدركات في جهنم وسلاسلها وأغلالها، ومنهم من يكون في الدرجات العليا ونعيمها وسرورها، ثم أهل الدركات يتفاوتون في ما هم فيه، كما أن أهل الدرجات يتفاوتون، فإن الجنة مائة درجة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض. وفي الصحيحين " إن أهل الدرجات العلى ليرون أهل عليين كما ترون الكوكب الغابر في أفق السماء " ولهذا قال تعالى { وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَـٰتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً } وفي الطبراني من رواية زاذان عن سلمان مرفوعاً " ما من عبد يريد أن يرتفع في الدنيا درجة فارتفع، إلا وضعه الله في الآخرة أكبر منها " ثم قرأ { وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَـٰتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً }.