يخبر تعالى أنه يأمر عباده بالعدل، وهو القسط والموازنة، ويندب إلى الإحسان، كقوله تعالى{ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّـٰبِرينَ } النحل 126، وقوله{ وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى ٱللَّهِ } الشورى 40، وقال{ وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ } المائدة 45 إلى غير ذلك من الآيات الدالة على شرعية العدل، والندب إلى الفضل. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ } قال شهادة أن لا إله إلا الله، وقال سفيان بن عيينة، العدل في هذا الموضع هو استواء السريرة والعلانية من كل عامل لله عملاً، والإحسان أن تكون سريرته أحسن من علانيته، والفحشاء والمنكر أن تكون علانيته أحسن من سريرته.وقوله { وَإِيتَآءِ ذِى ٱلْقُرْبَىٰ } أي يأمر بصلة الأرحام كما قال{ وَءَاتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا } الإسراء 26. وقوله { وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاءِ وَٱلْمُنْكَرِ } فالفواحش المحرمات، والمنكرات ما ظهر منها من فاعلها، ولهذ قال في الموضع الآخر{ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلْفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } الأعراف 33 وأما البغي، فهو العدوان على الناس، وقد جاء في الحديث " ما من ذنب أجدر أن يعجل الله عقوبته في الدنيا، مع ما يدخر لصاحبه في الآخرة، من البغي وقطيعة الرحم " وقوله { يَعِظُكُم } أي يأمركم بما يأمركم به من الخير، وينهاكم عما ينهاكم عنه من الشر { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } وقال الشعبي عن بشير بن شكل سمعت ابن مسعود يقول إن أجمع آية في القرآن في سورة النحل { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإْحْسَانِ } الآية، رواه ابن جرير، وقال سعيد عن قتادة قوله { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإْحْسَانِ } الآية، ليس من خلق حسن كان أهل الجاهلية يعملون به، ويستحسنونه، إلا أمر الله به، وليس من خلق سيىء كانوا يتعايرونه بينهم، إلا نهى الله عنه وقدم فيه. وإنما نهى عن سفاسف الأخلاق ومذامها. قلت ولهذا جاء في الحديث " إن الله يحب معالي الأخلاق، ويكره سفسافها " وقال الحافظ أبو نُعيم في كتاب معرفة الصحابة حدثنا أبو بكر محمد بن الفتح الحنبلي، حدثنا يحيى بن محمد مولى بني هاشم، حدثنا الحسن بن داود المنكدري، حدثنا عمر بن علي المقدمي عن علي بن عبد الملك بن عمير، عن أبيه، قال بلغ أكثم بن صيفي مخرج النبي صلى الله عليه وسلم فأراد أن يأيته، فأبى قومه أن يدعوه، وقالوا أنت كبيرنا، لم تكن لتخف إليه، قال فليأته من يبلغه عني ويبلغني عنه، فانتدب رجلان، فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فقالا نحن رسل أكثم بن صيفي، وهو يسألك من أنت، وما أنت؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم