الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقِيلَ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هٰذِهِ ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ ٱلْمُتَّقِينَ } * { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤونَ كَذَلِكَ يَجْزِي ٱللَّهُ ٱلْمُتَّقِينَ } * { ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }

هذا خبر عن السعداء بخلاف ما أخبر به عن الأشقياء، فإن أولئك قيل لهم { مَّاذَآ أَنزَلَ رَبُّكُمْ } قالوا معرضين عن الجواب لم ينزل شيئاً، إنما هذا أساطير الأولين، وهؤلاء قالوا خيراً، أي أنزل خيراً، أي رحمة وبركة لمن اتبعه وآمن به. ثم أخبر عما وعد الله عباده فيما أنزله على رسله فقال { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِى هٰذِهِ ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةٌ } الآية كقوله تعالىمَنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَوٰةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } النحل 97 أي من أحسن عمله في الدنيا، أحسن الله إليه عمله في الدنيا والآخرة، ثم أخبر بأن دار الآخرة خير، أي من الحياة الدنيا، والجزاء فيها أتم من الجزاء في الدنيا كقولهوَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ ٱللَّهِ خَيْرٌ } القصص 80 الآية. وقال تعالىوَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ } آل عمران 198 وقال تعالىوَٱلأَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } الأعلى 17 وقال لرسوله صلى الله عليه وسلموَلَلأَخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ ٱلأُولَىٰ } الضحى 4 ثم وصف الدار الآخرة فقال { وَلَنِعْمَ دَارُ ٱلْمُتَّقِينَ }. وقوله { جَنَّـٰتُ عَدْنٍ } بدل من دار المتقين، أي لهم في الآخرة جنات عدن، أي مقام، يدخلونها { تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ } أي بين أشجارها وقصورها { لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ } كقوله تعالى { وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ ٱلأَنْفُسُ وَتَلَذُّ ٱلأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }. وفي الحديث " إن السحابة لتمر بالملأ من أهل الجنة، وهم جلوس على شرابهم، فلا يشتهي أحد منهم شيئاً إلا أمطرته عليه، حتى إن منهم لمن يقول أمطرينا كواعب أتراباً، فيكون ذلك " { كَذَلِكَ يَجْزِى ٱللَّهُ ٱلْمُتَّقِينَ } أي كذلك يجزي الله كل من آمن به واتقاه وأحسن عمله، ثم أخبر تعالى عن حالهم عند الاحتضار أنهم طيبون، أي مخلصون من الشرك والدنس وكل سوء، وأن الملائكة تسلم عليهم وتبشرهم بالجنة كقوله تعالىإِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَـٰمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلأَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِىۤ أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ } فصلت30-32 وقد قدمنا الأحاديث الواردة في قبض روح المؤمن وروح الكافر عند قوله تعالىيُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلأَخِرَةِ وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّـٰلِمِينَ وَيَفْعَلُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ } إبراهيم 27.