الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } * { إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ } * { قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ } * { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ } * { وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ } * { لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ }

يقول تعالى مخبراً عن إِبليس وتمرده وعتوه أنه قال للرب { بِمَآ أَغْوَيْتَنِى } قال بعضهم أقسم بإِغواء الله له. قلت ويحتمل أنه بسبب ما أغويتني وأضللتني { لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ } أي لذرية آدم عليه السلام { فِى ٱلأَرْضِ } أي أحبب إليهم المعاصي، وأرغبهم فيها، وأؤزهم إليها، وأزعجهم إليها إزعاجاً، { وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } أي كما أغويتني، وقدرت عليّ ذلك، { إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ } كقولهأَرَءَيْتَكَ هَـٰذَا ٱلَّذِى كَرَّمْتَ عَلَىَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً } الإسراء 62، { قَالَ } الله تعالى له متهدداً ومتوعداً { هَذَا صِرَٰطٌ عَلَىَّ مُسْتَقِيمٌ } أي مرجعكم كلكم إليّ، فأجازيكم بأعمالكم، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر كقوله تعالى { إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ }. وقيل طريق الحق مرجعها إلى الله تعالى، وإليه تنتهي، قاله مجاهد والحسن وقتادة كقولهوَعَلَى ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ } النحل 9 وقرأ قيس بن عبادة ومحمد بن سيرين وقتادة { هذا صِراط عَلِيٌّ مستقيمٌ } كقولهوَإِنَّهُ فِىۤ أُمِّ ٱلْكِتَـٰبِ لَدَيْنَا لَعَلِىٌّ حَكِيمٌ } الزخرف 4 أي رفيع، والمشهور القراءة الأولى. وقوله { إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰنٌ } أي الذين قدرت لهم الهداية، فلا سبيل لك عليهم، ولا وصول لك إليهم، { إِلاَّ مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ } استثناء منقطع. وقد أورد ابن جرير ههنا من حديث عبد الله بن المبارك عن عبد الله بن موهب حدثنا يزيد بن قسيط قال كانت الأنبياء يكون لهم مساجد خارجة من قراهم، فإذا أراد النبي أن يستنبىء ربه عن شيء، خرج إلى مسجده، فصلى ما كتب الله له، ثم سأله ما بدا له، فبينا نبي في مسجده، إِذ جاء عدو الله - يعني إِبليس - حتى جلس بينه وبين القبلة، فقال النبي أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال فردد ذلك ثلاث مرات، فقال عدو الله أخبرني بأي شيء تنجو مني؟ فقال النبي بل أخبرني بأي شيء تغلب ابن آدم مرتين؟ فأخذ كل واحد منهما على صاحبه، فقال النبي إن الله تعالى يقول { إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰنٌ إِلاَّ مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ }. قال عدو الله قد سمعت هذا قبل أن تولد. قال النبي ويقول اللهوَإِمَّا يَنَزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَـٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } الأعراف 200، وإني و الله ما أحسست بك قط إلا استعذت بالله منك. قال عدو الله صدقت بهذا تنجو مني، فقال النبي أخبرني بأي شيء تغلب ابن آدم؟ قال آخذه عند الغضب والهوى. قوله { وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ } أي جهنم موعد جميع من اتبع إِبليس، كما قال عن القرآنوَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ ٱلأَحْزَابِ فَٱلنَّارُ مَوْعِدُهُ } هود 17، ثم أخبر أن لجهنم سبعة أبواب { لِكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ } أي قد كتب لكل باب منها جزء من أتباع إبليس يدخلونه لا محيد لهم عنه، أجارنا الله منها، وكل يدخل من باب بحسب عمله، ويستقر في درك بقدر عمله.

السابقالتالي
2