الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي ٱلسَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ } * { وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ } * { إِلاَّ مَنِ ٱسْتَرَقَ ٱلسَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ } * { وَٱلأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ } * { وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ }

يذكر تعالى خلقه السماء في ارتفاعها، وما زينها به من الكواكب الثوابت والسيارات، لمن تأمل وكرر النظر فيما يرى من العجائب والآيات الباهرات، ما يحار نظره فيه، وبهذا قال مجاهد وقتادة البروج ههنا هي الكواكب. قلت وهذا كقوله تبارك وتعالىتَبَارَكَ ٱلَّذِى جَعَلَ فِى ٱلسَّمَآءِ بُرُوجاً } الفرقان 61 الآية. ومنهم من قال البروج هي منازل الشمس والقمر. وقال عطية العوفي البروج ههنا هي قصور الحرس. وجعل الشهب حرساً لها من مردة الشياطين لئلا يسمعوا إلى الملأ الأعلى، فمن تمرد وتقدم منهم لاستراق السمع، جاءه شهاب مبين فأتلفه، فربما يكون قد ألقى الكلمة التي سمعها قبل أن يدركه الشهاب إلى الذي هو دونه، فيأخذها الآخر، ويأتي بها إلى وليه، كما جاء مصرحاً به في الصحيح. كما قال البخاري في تفسير هذه الآية حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان عن عمرو عن عكرمة، عن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا قضى الله الأمر في السماء، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله كأنه سلسلة على صفوان - قال علي وقال غيره صفوان ينفذهم ذلك - فإذا فزع عن قلوبهم، قالوا ماذا قال ربكم؟ قالوا للذي قال الحق، وهو العلي الكبير، فيسمعها مسترقو السمع، ومسترقو السمع هكذا، واحد فوق آخر - ووصف سفيان بيده، وفرج بين أصابع يده اليمنى، نصبها بعضها فوق بعض - فربما أدرك الشهاب المستمع قبل أن يرمي بها إلى صاحبه فيحرقه، وربما لم يدركه حتى يرمي بها إلى الذي يليه إلى الذي هو أسفل منه حتى يلقوها إلى الأرض - وربما قال سفيان حتى تنتهي إلى الأرض - فتلقى على فم الساحر أو الكاهن، فيكذب معها مائة كذبة، فيصدق، فيقولون ألم يخبرنا يوم كذا وكذا يكون كذا وكذا، فوجدناه حقاً للكلمة التي سمعت من السماء " ثم ذكر تعالى خلقه الأرض ومده إياها وتوسيعها وبسطها، وما جعل فيها من الجبال الرواسي، والأودية والأراضي والرمال، وما أنبت فيها من الزروع والثمار المتناسبة. وقال ابن عباس { مِن كُلِّ شَىْءٍ مَّوْزُونٍ } أي معلوم، وكذا قال سعيد بن جبير وعكرمة وأبو مالك ومجاهد والحكم بن عتيبة والحسن بن محمد وأبو صالح وقتادة، ومنهم من يقول مقدر بقدر. وقال ابن زيد من كل شيء يوزن، ويقدر بقدر، وقال ابن زيد ما يزنه أهل الأسواق. وقوله { وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَـٰيِشَ } يذكر تعالى أنه صرفهم في الأرض في صنوف الأسباب والمعايش، وهي جمع معيشة. وقوله { وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَٰزِقِينَ } قال مجاهد هي الدواب والأنعام. وقال ابن جرير هم العبيد والإماء والدواب والأنعام، والقصد أنه تعالى يمتن عليهم بما يسر لهم من أسباب المكاسب ووجوه الأسباب وصنوف المعايش، وبما سخر لهم من الدواب التي يركبونها، والأنعام التي يأكلونها، والعبيد والإماء التي يستخدمونها، ورزقهم على خالقهم، لا عليهم، فلهم هم المنفعة، والرزق على الله تعالى.