الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنذِرِ ٱلنَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ ٱلْعَذَابُ فَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ رَبَّنَآ أَخِّرْنَآ إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوۤاْ أَقْسَمْتُمْ مِّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ } * { وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ ٱلأَمْثَالَ } * { وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ }

يقول تعالى مخبراً عن قيل الذين ظلموا أنفسهم عند معاينة العذاب { رَبَّنَآ أَخِّرْنَآ إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَ } كقولهحَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ٱرْجِعُونِ } المؤمنون 99 الآية، وقال تعالىيٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَٰلُكُمْ وَلاَ أَوْلَـٰدُكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقْنَاكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ فَيَقُولُ رَبِّ لَوْلاۤ أَخَّرْتَنِيۤ إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } المنافقون9-10 الآيتين، وقال تعالى مخبراً عنهم في حال محشرهموَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ } السجدة 12 الآية، وقالوَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ فَقَالُواْ يٰلَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِـآيَـٰتِ رَبِّنَا } الأنعام 27 الآية، وقال تعالىوَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا } فاطر 37 الآية، قال تعالى رداً عليهم في قولهم هذا { أَوَلَمْ تَكُونُوۤاْ أَقْسَمْتُمْ مِّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ } أي أو لم تكونوا تحلفون من قبل هذه الحالة أنه لا زوال لكم عما أنتم فيه، وأنه لا معاد ولا جزاء، فذوقوا هذا بذلك، قال مجاهد وغيره { مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ } أي ما لكم من انتقال من الدنيا إلى الآخرة، كقولهوَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَـٰنِهِمْ لاَ يَبْعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ } النحل 38 الآية، { وَسَكَنتُمْ فِى مَسَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ ٱلأَمْثَالَ } أي قد رأيتم وبلغكم ما أحللنا بالأمم المكذبة قبلكم، ومع هذا لم يكن لكم فيهم معتبر، ولم يكن فيما أوقعنا بهم لكم مزدجرحِكْمَةٌ بَـٰلِغَةٌ فَمَا تُغْنِ ٱلنُّذُرُ } القمر 5 وقد روى شعبة عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن أن علياً رضي الله عنه قال في هذه الآية { وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ } قال أخذ ذاك الذي حاج إبراهيم في ربه نسرين صغيرين، فرباهما حتى استغلظا واستفحلا وشبا، قال فأوثق رجل كل واحد منهما بوتد إلى تابوت، وجوعهما، وقعد هو ورجل آخر في التابوت، قال ورفع في التابوت عصاً على رأسه اللحم، فطارا، وجعل يقول لصاحبه انظر ما ترى؟ قال أرى كذا وكذا، حتى قال أرى الدنيا كلها كأنها ذباب. قال فصوِّبِ العصا، فصوبها، فهبطا جميعاً، قال فهو قوله عز وجل وإن كاد مكرهم لتزول منه الجبال. قال أبو إسحاق وكذلك هي في قراءة عبد الله وإن كاد مكرهم قلت وكذا روي عن أبي بن كعب وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما أنهما قرآ وإن كاد كما قرأ علي، وكذا رواه سفيان الثوري وإسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن أذنان عن علي، فذكر نحوه، وكذا روي عن عكرمة أن سياق هذه القصة للنمروذ ملك كنعان أنه رام أسباب السماء بهذه الحيلة والمكر، كما رام ذلك بعده فرعون ملك القبط في بناء الصرح، فعجزا وضعفا، وهما أقل وأحقر وأصغر وأدحر، وذكر مجاهد هذه القصة عن بختنصر، وأنه لما انقطع بصره عن الأرض وأهلها، نودي أيها الطاغية، أين تريد؟ ففرق، ثم سمع الصوت فوقه، فصوب الرماح، فصوبت النسور، ففزعت الجبال من هدتها، وكادت الجبال أن تزول من حس ذلك، فذلك قوله { وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ }.

السابقالتالي
2