الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ ءَامِناً وَٱجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلأَصْنَامَ } * { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

يذكر تعالى في هذا المقام محتجاً على مشركي العرب بأن البلد الحرام بمكة إنما وضعت أول ما وضعت على عبادة الله وحده لا شريك له، وأن إبراهيم الذي كانت عامرة بسببه آهلة تبرأ ممن عبد غير الله، وأنه دعا لمكة بالأمن فقال { رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ آمِنًا } وقد استجاب الله له فقال تعالىأَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً } العنكبوت 67 الآية، وقال تعالىإِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَـٰلَمِينَ فِيهِ ءَايَـٰتٌ بَيِّـنَـٰتٌ مَّقَامُ إِبْرَٰهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ ءَامِناً } آل عمران96-97 وقال في هذه القصة { رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ آمِنًا } فعرفه لأنه دعا به بعد بنائها، ولهذا قالٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِى وَهَبَ لِى عَلَى ٱلْكِبَرِ إِسْمَـٰعِيلَ وَإِسْحَـٰقَ } إبراهيم 39 ومعلوم أن إسماعيل أكبر من إسحاق بثلاث عشرة سنة، فأما حين ذهب بإسماعيل وأمه وهو رضيع إلى مكان مكة، فإنه دعا أيضاً فقال { رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ آمِنًا } كما ذكرناه هنالك في سورة البقرة مستقصى مطوّلاً. وقوله { وَٱجْنُبْنِى وَبَنِىَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلأَصْنَامَ } ينبغي لكل داع أن يدعو لنفسه ولوالديه ولذريته، ثم ذكر أنه افتتن بالأصنام خلائق من الناس، وأنه تبرأ ممن عبدها، ورد أمرهم إلى الله، إن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم كقول عيسى عليه السلامإِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } المائدة 118 وليس فيه أكثر من الرد إلى مشيئة الله تعالى، لا تجويز وقوع ذلك. وقال عبد الله بن وهب حدثنا عمرو بن الحارث أن بكر بن سوادة حدثه عن عبد الرحمن بن جرير، عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا قول إبراهيم عليه السلام { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ ٱلنَّاسِ } الآية، وقول عيسى عليه السلامإِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ } المائدة 118 الآية، ثم رفع يديه، ثم قال " اللهم أمتي اللهم أمتي اللهم أمتي " وبكى، فقال الله اذهب يا جبريل إلى محمد، وربك أعلم، وسله ما يبكيك؟ فأتاه جبريل عليه السلام فسأله، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال، فقال الله اذهب إلى محمد فقل له إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك.