يخبر تعالى عما توعدت به الأمم الكافرة رسلهم من الإخراج من أرضهم، والنفي من بين أظهرهم كما قال قوم شعيب له ولمن آمن به{ لَنُخْرِجَنَّكَ يـٰشُعَيْبُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَآ } الأعراف 88 الآية. وكما قال قوم لوط { أَخْرِجُوۤاْ ءَالَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ } الآية، وقال تعالى إِخباراً عن مشركي قريش{ وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ ٱلأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لاَّ يَلْبَثُونَ خِلَـٰفَكَ إِلاَّ قَلِيلاً } الإسراء76. وقال تعالى{ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَـٰكِرِينَ } الأنفال 30 وكان من صنعه تعالى أنه أظهر رسوله ونصره، وجعل له بسبب خروجه من مكة أنصاراً وأعواناً وجنداً يقاتلون في سبيل الله تعالى، ولم يزل يرقيه تعالى من شيء إلى شيء حتى فتح له مكة التي أخرجته، ومكن له فيها، وأرغم أنوف أعدائه منهم ومن سائر أهل الأرض، حتى دخل الناس في دين الله أفواجاً، وظهرت كلمة الله ودينه على سائر الأديان في مشارق الأرض ومغاربها في أيسر زمان، ولهذا قال تعالى { فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ } وكما قال{ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَـٰلِبُونَ } الصافات171-173، وقال تعالى{ كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِىۤ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِىٌّ عَزِيزٌ } المجادلة 21، وقال تعالى{ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى ٱلزَّبُورِ مِن بَعْدِ ٱلذِّكْرِ } الأنبياء 105 الآية، و{ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ٱسْتَعِينُواْ بِٱللَّهِ وَٱصْبِرُوۤاْ إِنَّ ٱلأَرْضَ للَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَٱلْعَـٰقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } الأعراف 128، وقال تعالى{ وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَـٰرِقَ ٱلأَرْضِ وَمَغَـٰرِبَهَا ٱلَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ ٱلْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِىۤ إِسْرٰءِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ } الأعراف 137 وقوله { ذَٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِى وَخَافَ وَعِيدِ } أي وعيدي هذا لمن خاف مقامي بين يدي يوم القيامة، وخشي من وعيدي، وهو تخويفي وعذابي كما قال تعالى{ فَأَمَّا مَن طَغَىٰ وَءَاثَرَ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا فَإِنَّ ٱلْجَحِيمَ هِىَ ٱلْمَأْوَىٰ } النازعات37-39 وقال{ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } الرحمن 46. وقوله { وَٱسْتَفْتَحُواْ } أي استنصرت الرسل ربها على قومها، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم استفتحت الأمم على أنفسها كما قالوا{ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } الأنفال 32 ويحتمل أن يكون هذا مراداً، وهذا مراداً كما أنهم استفتحوا على أنفسهم يوم بدر، واستفتح رسول الله صلى الله عليه وسلم واستنصر، وقال الله تعالى للمشركين{ إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } الأنفال 19 الآية، والله أعلم، { وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } أي متجبر في نفسه، عنيد معاند للحق كقوله تعالى