الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلسَّيِّئَةِ قَبْلَ ٱلْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ ٱلْمَثُلاَتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }

يقول تعالى { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ } أي هؤلاء المكذبون { بِٱلسَّيِّئَةِ قَبْلَ ٱلْحَسَنَةِ } أي بالعقوبة كما أخبر عنهم في قولهوَقَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِى نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِٱلْمَلَـٰئِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ مَا نُنَزِّلُ ٱلْمَلَـٰئِكَةَ إِلاَّ بِٱلحَقِّ وَمَا كَانُواْ إِذًا مُّنظَرِينَ } الحجر6-8، وقال تعالىوَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ } الحج 47 الآيتين، وقال تعالىسَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ } لمعارج1، وقاليَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا ٱلْحَقُّ } الشورى 18وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا } ص 16 الآية، أي عقابنا وحسابنا كما قال مخبراً عنهموَإِذْ قَالُواْ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ } الأنفال 32 الآية، فكانوا من شدة تكذيبهم وعنادهم وكفرهم يطلبون من الرسول أن يأتيهم بعذاب الله، قال الله تعالى { وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ ٱلْمَثُلَـٰتُ } أي قد أوقعنا نقمنا بالأمم الخالية، وجعلناهم عبرة وعظة لمن اتعظ بهم. ثم أخبر تعالى أنه لولا حلمه وعفوه، لعاجلهم بالعقوبة كما قالوَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ } فاطر 45، وقال تعالى في هذه الآية الكريمة { وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ } أي إنه تعالى ذو عفو وصفح وستر للناس، مع أنهم يظلمون ويخطئون بالليل والنهار، ثم قرن هذا الحكم بأنه شديد العقاب ليعتدل الرجاء والخوف كما قال تعالىفَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَٰسِعَةٍ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْمُجْرِمِينَ } الأنعام 147 وقالإِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ٱلْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } الأعراف 167، وقالنَبِّىءْ عِبَادِى أَنِّى أَنَا ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِى هُوَ ٱلْعَذَابُ ٱلأَلِيمُ } الحجر49-50 إلى أمثال ذلك من الآيات التي تجمع الرجاء والخوف. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب قال لما نزلت هذه الآية { وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ } الآية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لولا عفو الله وتجاوزه، ما هنأ أحداً العيش، ولولا وعيده وعقابه، لا تَّكل كل أحد " وروى الحافظ ابن عساكر في ترجمة الحسن بن عثمان أبي حسان الزيادي أنه رأى رب العزة في النوم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بين يديه يشفع في رجل من أمته، فقال له ألم يكفك أني أنزلت عليك في سورة الرعد { وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ }؟ قال ثم انتبهت.