الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ } * { يَمْحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ ٱلْكِتَابِ }

يقول تعالى وكما أرسلناك يا محمد رسولاً بشرياً، كذلك قد بعثنا المرسلين قبلك بشراً، يأكلون الطعام، ويمشون في الأسواق، ويأتون الزوجات، ويولد لهم، وجعلنا لهم أزواجاً وذرية، وقد قال تعالى لأشرف الرسل وخاتمهمقُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَىَّ } الكهف 110 وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أما أنا فأصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وآكل اللحم، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني " وقال الإمام أحمد حدثنا يزيد، أنبأنا الحجاج بن أرطاة عن مكحول قال قال أبو أيوب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أربع من سنن المرسلين التعطر والنكاح. والسواك، والحناء " وقد رواه أبو عيسى الترمذي عن سفيان بن وكيع عن حفص بن غياث، عن الحجاج، عن مكحول، عن أبي الشمال، عن أبي أيوب، فذكره، ثم قال وهذا أصح من الحديث الذي لم يذكر فيه أبو الشمال. وقوله { وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِىَ بِـآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } أي لم يكن يأتي قومه بخارق إلا إذا أذن له فيه، ليس ذلك إليه، بل إلى الله عز وجل، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، { لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ } أي لكل مدة مضروبة كتاب مكتوب بها، وكل شيء عنده بمقدارأَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِنَّ ذٰلِكَ فِى كِتَـٰبٍ إِنَّ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } الحج 70 وكان الضحاك بن مزاحم يقول في قوله { لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ } أي لكل كتاب أجل، يعني لكل كتاب أنزله من السماء مدة مضروبة عند الله، ومقدار معين، فلهذا { يَمْحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ } منها، { وَيُثَبِّتَ } يعني حتى نسخت كلها بالقرآن الذي أنزله الله على رسوله صلوات الله وسلامه عليه. وقوله { يَمْحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ } اختلف المفسرون في ذلك فقال الثوري ووكيع وهشيم عن ابن أبي ليلى، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس يدبر أمر السنة، فيمحو الله ما يشاء إلا الشقاء والسعادة، والحياة والموت، وفي رواية { يَمْحُو ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ } قال كل شيء، إلا الموت والحياة، والشقاء والسعادة، فإنهما قد فرغ منهما. وقال مجاهد { يَمْحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ } إلا الحياة والموت، والشقاء والسعادة فإنهما لا يتغيران. وقال منصور سألت مجاهداً، فقلت أرأيت دعاء أحدنا يقول اللهم إن كان اسمي في السعداء فأثبته فيهم، وإن كان في الأشقياء فامحه عنهم، واجعله في السعداء؟ فقال حسن، ثم لقيته بعد ذلك بحول أو أكثر، فسألته عن ذلك فقالإِنَّآ أَنزَلْنَـٰهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ } الدخان 3 الآيتين، قال يقضي في ليلة القدر ما يكون في السنة من رزق أو مصيبة، ثم يقدم ما يشاء، ويؤخر ما يشاء، فأما كتاب السعادة والشقاوة، فهو ثابت لا يغير، وقال الأعمش، عن أبي وائل شقيق بن سلمة إنه كان كثيراً ما يدعو بهذا الدعاء اللهم إن كنت كتبتنا أشقياء، فامحه واكتبنا سعداء، وإن كنت كتبتنا سعداء فأثبتنا، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت، وعندك أم الكتاب، رواه ابن جرير، وقال ابن جرير أيضاً حدثنا عمرو بن علي، حدثنا معاذ بن هشام، حدثنا أبي عن أبي حكيمة عصمة، عن أبي عثمان النهدي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال، وهو يطوف بالبيت ويبكي اللهم إن كنت كتبت علي شقوة أو ذنباً، فامحه، فإنك تمحو ما تشاء، وتثبت، وعندك أم الكتاب، فاجعله سعادة ومغفرة.

السابقالتالي
2 3