الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ } * { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ } * { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ }

يخبر تعالى عن قيل المشركين { لَوْلاَ } أي هلا { أُنزِلَ عَلَيْهِ ءَايَةٌ مِّن رَّبِّهِ } ، كقولهمفَلْيَأْتِنَا بِـآيَةٍ كَمَآ أُرْسِلَ ٱلأَوَّلُونَ } الأنبياء 5. وقد تقدم الكلام على هذا غير مرة، وأن الله قادر على إجابة ما سألوا، وفي الحديث إن الله أوحى إلى رسوله لما سألوه أن يحول لهم الصفا ذهباً، وأن يجري لهم ينبوعاً، وأن يزيح الجبال من حول مكة، فيصير مكانها مروج وبساتين إن شئت يا محمد أعطيتهم ذلك، فإن كفروا أعذبهم عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين، وإن شئت فتحت عليهم باب التوبة والرحمة، فقال " بل تفتح لهم باب التوبة والرحمة " ، ولهذا قال لرسوله { قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِىۤ إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ } أي هو المضل والهادي، سواء بعث الرسول بآية على وفق ما اقترحوا، أو لم يجبهم إلى سؤالهم فإن الهداية والإضلال ليس منوطاً بذلك، ولا عدمه، كما قال { وَمَا تُغْنِى ٱلآيَـٰتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ } وقالإِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلُّ ءايَةٍ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } يونس96-97 وقالوَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلَـٰئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَىْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ } الأنعام 111، ولهذا قال { قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ } أي ويهدي إليه من أناب إلى الله، ورجع إليه واستعان به وتضرع لديه { ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ } أي تطيب وتركن إلى جانب الله، وتسكن عند ذكره، وترضى به مولى ونصيراً، ولهذا قال { أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ } أي هو حقيق بذلك. وقوله { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَـئَابٍ } قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس فرح وقرة عين. وقال عكرمة نِعْمَ ما لهم. وقال الضحاك غبطة لهم. وقال إبراهيم النخعي خير لهم. وقال قتادة هي كلمة عربية، يقول الرجل طوبى لك، أي أصبت خيراً. وقال في رواية طوبى لهم حسنى لهم، { وَحُسْنُ مَـئَابٍ } أي مرجع، وهذه الأقوال شيء واحد، لا منافاة بينها. وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس { طُوبَىٰ لَهُمْ } قال هي أرض الجنة بالحبشية، وقال سعيد بن مَسْجُوح طوبى اسم الجنة بالهندية، وكذا روى السدي عن عكرمة طوبى لهم هي الجنة، وبه قال مجاهد. وقال العوفي عن ابن عباس لما خلق الله الجنة وفرغ منها، قال { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَـئَابٍ } وذلك حين أعجبته. وقال ابن جرير حدثنا ابن حميد، حدثنا يعقوب عن جعفر، عن شهر بن حوشب قال { طوبى } شجرة في الجنة، كل شجر الجنة منها، أغصانها من وراء سور الجنة، وهكذا روي عن أبي هريرة وابن عباس ومغيث بن سُمَيّ وأبي إسحاق السبيعي، وغير واحد من السلف أن طوبى شجرة في الجنة، في كل دار منها غصن منها.

السابقالتالي
2 3 4 5