الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَلاَ يَنقُضُونَ ٱلْمِيثَاقَ } * { وَٱلَّذِينَ يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ } * { وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ٱبْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ } * { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ } * { سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ }

يقول تعالى مخبراً عمن اتصف بهذه الصفات الحميدة بأن لهم عقبى الدار، وهي العاقبة والنصرة في الدنيا والآخرة { ٱلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَلاَ يَنقُضُونَ ٱلْمِيثَـٰقَ } وليسوا كالمنافقين الذين إِذا عاهد أحدهم غدر، وإذا خاصم فجر، وإذا حدث كذب، وإذا ائتمن خان { وَٱلَّذِينَ يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ } من صلة الأرحام والإحسان إليهم، وإلى الفقراء والمحاويج، وبذل المعروف، { وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ } أي فيما يأتون وما يذرون من الأعمال، ويراقبون الله في ذلك، ويخافون سوء الحساب في الدار الآخرة، فلهذا أمرهم على السداد والاستقامة في جميع حركاتهم وسكناتهم، وجميع أحوالهم القاصرة والمتعدية { وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ٱبْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ } أي عن المحارم والمآثم، ففطموا أنفسهم عنها لله عز وجل ابتغاء مرضاته وجزيل ثوابه { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ } بحدودها ومواقيتها وركوعها وسجودها وخشوعها، على الوجه الشرعي المرضي { وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ } أي على الذين يجب عليهم الإنفاق لهم من زوجات وقرابات، وأجانب من فقراء ومحاويج ومساكين { سِرًّا وَعَلاَنِيَةً } أي في السر والجهر، لم يمنعهم من ذلك حال من الأحوال، آناء الليل وأطراف النهار { وَيَدْرَءُونَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ } أي يدفعون القبيح بالحسن، فإذا آذاهم أحد قابلوه بالجميل صبراً واحتمالاً، وصفحاً وعفواً كقوله تعالىوَلاَ تَسْتَوِي ٱلْحَسَنَةُ وَلاَ ٱلسَّيِّئَةُ ٱدْفَعْ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظِّ عَظِيمٍ } فصلت34-35، ولهذا قال مخبراً عن هؤلاء السعداء المتصفين بهذه الصفات الحسنة بأن لهم عقبى الدار، ثم فسر ذلك بقوله { جَنَّاتِ عَدْنٍ } والعدن الإقامة، أي جنات إقامة يخلدون فيها، وعن عبد الله بن عمرو أنه قال إن في الجنة قصراً يقال له عدن، حوله البروج والمروج، فيه خمسة آلاف باب، على كل باب خمسة آلاف حبرة، لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد. وقال الضحاك في قوله { جَنَّاتِ عَدْنٍ } مدينة الجنة، فيها الرسل والأنبياء والشهداء وأئمة الهدى، والناس حولهم بعد، والجنات حولها، رواهما ابن جرير. وقوله { وَمَنْ صَلَحَ مِنْ ءَابَائِهِمْ وَأَزْوَٰجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ } أي يجمع بينهم وبين أحبابهم فيها من الآباء والأهلين والأبناء، ممن هو صالح لدخول الجنة من المؤمنين لتقر أعينهم بهم، حتى إنه ترفع درجة الأدنى إلى درجة الأعلى امتناناً من الله وإحساناً من غير تنقيص للأعلى عن درجته، كما قال تعالىوَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَـٰنٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } الطور 21 الآية. وقوله { وَالمَلَـٰئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ سَلَـٰمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ } أي وتدخل عليهم الملائكة من ههنا ومن ههنا للتهنئة بدخول الجنة، فعند دخولهم إياها تفد عليهم الملائكة مُسَلِّمين، مهنئين لهم بما حصل لهم من الله من التقريب والإنعام والإقامة في دار السلام في جوار الصديقين والأنبياء والرسل الكرام.

السابقالتالي
2