الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّـى يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ }

يخبر الله تعالى عن كمال قدرته وعظيم سلطانه أنه الذي بإذنه وأمره رفع السموات بغير عمدٍ، بل بإذنه وأمره وتسخيره رفعها عن الأرض بعداً لا تنال ولا يدرك مداها، فالسماء الدنيا محيطة بجميع الأرض وما حولها من الماء والهواء من جميع نواحيها وجهاتها وأرجائها، مرتفعة عليها من كل جانب على السواء، وبعد ما بينها وبين الأرض من كل ناحية مسيرة خمسمائة عام، وسمكها في نفسها مسيرة خمسمائة عام، ثم السماء الثانية محيطة بالسماء الدنيا وما حوت، وبينهما من بعد المسير خمسمائة عام، وسمكها خمسمائة عام، وهكذا السماء الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة، كما قال تعالى { ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ سَبْعَ سَمَـٰوَٰتٍ وَمِنَ ٱلأَرْضِ مِثْلَهُنَّ } الآية. وفي الحديث " ما السموات السبع وما فيهن وما بينهن في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، والكرسي في العرش المجيد كتلك الحلقة في تلك الفلاة " وفي رواية " والعرش لا يقدر قدره إلا الله عز وجل " وجاء عن بعض السف أن بعد ما بين العرش إلى الأرض مسيرة خمسين ألف سنة، وبعد ما بين قطريه مسيرة خمسين ألف سنة، وهو من ياقوتة حمراء. وقوله { بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا } روي عن ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة وغير واحد أنهم قالوا لها عمد، ولكن لا ترى. وقال إياس بن معاوية السماء على الأرض مثل القبة، يعني بلا عمد، وكذا روي عن قتادة، وهذا هو اللائق بالسياق، والظاهر من قوله تعالىوَيُمْسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } الحج 65 فعلى هذا يكون قوله { تَرَوْنَهَا } تأكيداً لنفي ذلك، أي هي مرفوعة بغير عمد كما ترونها، وهذا هو الأكمل في القدرة، وفي شعر أمية بن أبي الصلت الذي آمن شعره، وكفر قلبه كما ورد في الحديث، ويروى لزيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنه
وأنتَ الذي مِنْ فَضْلِ مَنّ ورحمةٍ بَعَثْتَ إلى مُوسى رَسولاً مُنادِيا فقلتَ لهُ فاذهبْ وهارون فَادْعُوا إلى الله فرعونَ الذي كان طاغِياً وقولا لهُ هل أأنتَ سَوَّيْتَ هذهِ بِلا وَتِدٍ حتى استَقَلَّتْ كَما هِيا؟ وقولا لهُ هل أنتَ رَفَّعْتَ هذه بِلا عَمَدِ أو فوقَ ذلك بانِيا؟ وقولا لهُ هل أنتَ سَوَّيْتَ وَسْطَها مُنيراً إذا ما جَنَّكَ الليلُ هادِيا؟ وقولا له مَنْ يُرْسِلُ الشمسَ غُدْوَةً، فَيُصْبِحُ ما مَسَّتْ منَ الأرضِ ضاحِيا؟ وقولا له من أنبتَ الحَبَّ في الثَّرى فيصبحُ منه العُشبُ يَهْتَزُّ رابِيا ويُخْرِجُ منهُ حَبَّهُ في رُؤوسِهِ؟ ففي ذاكَ آياتٌ لمَنْ كانَ واعِيا   
وقوله تعالى { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } تقدم تفسيره في سورة الأعراف، وأنه يمر كما جاء من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل، ولا تمثيل، تعالى الله علواً كبيراً. وقوله { وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّـى } قيل المراد أنهما يجريان إلى انقطاعهما بقيام الساعة، كقوله تعالى

السابقالتالي
2