الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ ٱلْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِٱلَّيلِ وَسَارِبٌ بِٱلنَّهَارِ } * { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ ٱللَّهُ بِقَوْمٍ سُوۤءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ }

يخبر تعالى عن إحاطة علمه بجميع خلقه، وأنه سواء منهم من أسر قوله أو جهر به، فإنه يسمعه، لا يخفى عليه شيء كقولهوَإِن تَجْهَرْ بِٱلْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخْفَى } طه 7، وقالوَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } النمل 25، وقالت عائشة رضي الله عنها سبحان الذي وسع سمعه الأصوات، والله لقد جاءت المجادلة تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا في جنب البيت، وإنه ليخفى عليَّ بعض كلامها، فأنزل اللهقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِي تُجَٰدِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِيۤ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } المجادلة1 وقولهوَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِٱلَّيْلِ } الرعد 10 أي مختف في قعر بيته في ظلام الليل، { وَسَارِبٌ بِٱلنَّهَارِ } أي ظاهر ماش في بياض النهار وضيائه، فإن كليهما في علم الله على السواء كقوله تعالىأَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ } هود 5 الآية. وقوله تعالىوَمَا تَكُونُ فِى شَأْنٍ وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ مِن قُرْءَانٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِى ٱلسَّمَآءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلاۤ أَكْبَرَ إِلاَّ فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ } يونس 61. وقوله { لَهُ مُعَقِّبَـٰتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ } أي للعبد ملائكة يتعاقبون عليه حرس بالليل، وحرس بالنهار، يحفظونه من الأسواء والحادثات، كما يتعاقب ملائكة آخرون لحفظ الأعمال من خير أو شر، ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار، فاثنان عن اليمين والشمال يكتبان الأعمال، صاحب اليمين يكتب الحسنات، وصاحب الشمال يكتب السيئات، وملكان آخران يحفظانه ويحرسانه، واحد من ورائه، وآخر من قدامه، فهو بين أربعة أملاك بالنهار، وأربعة أملاك بالليل، بدلاً، حافظان وكاتبان، كما جاء في الصحيح " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر، فيصعد إليه الذين باتوا فيكم، فيسألهم وهو أعلم بكم كيف تركتم عبادي؟ فيقولون أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون " وفي الحديث الآخر " إن معكم من لا يفارقكم إلا عند الخلاء وعند الجماع، فاستحيوهم وأكرموهم " وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله { لَهُ مُعَقِّبَـٰتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ } والمعقبات من الله هي الملائكة، وقال عكرمة عن ابن عباس { يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ } قال ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه، فإذا جاء قدر الله، خلوا عنه، وقال مجاهد ما من عبد إلا له ملك موكل، يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام، فما منها شيء يأتيه يريده، إلا قال له الملك وراءك، إلا شيء أذن الله فيه، فيصيبه. وقال الثوري عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله { لَهُ مُعَقِّبَـٰتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ } قال ذلك ملك من ملوك الدنيا، له حرس من دونه حرس، وقال العوفي عن ابن عباس { لَهُ مُعَقِّبَـٰتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ } يعني ولي الشيطان يكون عليه الحرس.

السابقالتالي
2 3