يقول تعالى مخبراً عن يعقوب عليه السلام إنه ندب بنيه على الذهاب في الأرض يستعلمون أخبار يوسف وأخيه بنيامين، والتحسس يكون في الخير، والتجسس يكون في الشر، ونهضهم وبشرهم، وأمرهم أن لا ييأسوا من روح الله، أي لا يقطعوا رجاءهم وأملهم من الله فيما يرومونه ويقصدونه، فإنه لا يقطع الرجاء ولا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون. وقوله { فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ } تقدير الكلام فذهبوا، فدخلوا مصر، ودخلوا على يوسف { قَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا ٱلضُّرُّ } يعنون من الجدب والقحط وقلة الطعام، { وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ } أي ومعنا ثمن الطعام الذي نمتاره، وهو ثمن قليل، قاله مجاهد والحسن وغير واحد. وقال ابن عباس الرديء، لا ينفق، مثل خلق الغرارة والحبل والشيء، وفي رواية عنه الدراهم الرديئة التي لا تجوز إلا بنقصان، وكذا قال قتادة والسدي. وقال سعيد بن جبير هي الدراهم الفسول. وقال أبو صالح هو الصنوبر وحبة الخضراء، وقال الضحاك كاسدة لا تنفق. وقال أبو صالح جاؤوا بحب البطم الأخضر والصنوبر، وأصل الإزجاء الدفع لضعف الشيء، كما قال حاتم الطائي
لِيَبْك على ملحانَ ضَيْفٌ مُدَفَّعٌ وأَرْمَلَةٌ تُزْجي مَعَ اللَّيْلِ أَرْمَلا
وقوله إخباراً عنهم { فَأَوْفِ لَنَا ٱلْكَيْلَ } أي أعطنا بهذا الثمن القليل ما كنت تعطينا قبل ذلك، وقرأ ابن مسعود فأوقر ركابنا، وتصدق علينا. وقال ابن جريج وتصدق علينا برد أخينا إلينا. وقال سعيد بن جبير والسدي { وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ } يقولون تصدق علينا بقبض هذه البضاعة المزجاة، وتجوز فيها. وسئل سفيان بن عيينة هل حرمت الصدقة على أحد من الأنبياء قبل النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال ألم تسمع قوله { فَأَوْفِ لَنَا ٱلْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ ٱللَّهَ يَجْزِى ٱلْمُتَصَدِّقِينَ }؟ رواه ابن جرير عن الحارث، عن القاسم عنه. وقال ابن جرير حدثنا الحارث، حدثنا القاسم، حدثنا مروان بن معاوية عن عثمان بن الأسود، سمعت مجاهداً وسئل هل يكره أن يقول الرجل في دعائه اللهم تصدق علي؟ قال نعم، إنما الصدقة لمن يبتغي الثواب.