الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي ٱلْمَدِينَةِ ٱمْرَأَةُ ٱلْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَـٰذَا بَشَراً إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ } * { قَالَتْ فَذٰلِكُنَّ ٱلَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَٱسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَآ آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّن ٱلصَّاغِرِينَ } * { قَالَ رَبِّ ٱلسِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِيۤ إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ ٱلْجَاهِلِينَ } * { فَٱسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }

يخبر تعالى أن خبر يوسف وامرأة العزيز شاع في المدينة، وهي مصر، حتى تحدث به الناس { وَقَالَ نِسْوَةٌ فِى ٱلْمَدِينَةِ } مثل نساء الكبراء والأمراء، ينكرن على امرأة العزيز، وهو الوزير، ويعبن ذلك عليها { ٱمْرَأَتُ ٱلْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَـٰهَا عَن نَّفْسِهِ } أي تحاول غلامها عن نفسه، وتدعوه إلى نفسها { قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا } أي قد وصل حبه إلى شغاف قلبها، وهو غلافه. قال الضحاك عن ابن عباس الشغف الحب القاتل، والشعف دون ذلك، والشغاف حجاب القلب { إِنَّا لَنَرَاهَا فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ } أي في صنيعها هذا من حبها فتاها، ومراودتها إياه عن نفسه، { فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ } قال بعضهم بقولهن ذهب الحب بها، وقال محمد بن إسحاق بل بلغهن حسن يوسف، فأحببن أن يرينه، فقلن ذلك ليتوصلن إلى رؤيته ومشاهدته، فعند ذلك { أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ } أي دعتهن إلى منزلها لتضيفهن، { وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئًا }. قال ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد والحسن والسدي وغيرهم هو المجلس المعد فيه مفارش، ومخاد، وطعام فيه ما يقطع بالسكاكين من أترج ونحوه، ولهذا قال تعالى { وَءَاتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مَّنْهُنَّ سِكِّينًا } وكان هذا مكيدة منها، ومقابلة لهن في احتيالهن على رؤيته { وَقَالَتِ ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ } وذلك أنها كانت قد خبأته في مكان آخر { فَلَمَّآ } خرج و { رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ } أي أعظمنه، أي أعظمن شأنه، وأجللن قدره، وجعلن يقطعن أيديهن دهشاً برؤيته، وهن يظنن أنهن يقطعن الأترج بالسكاكين، والمراد أنهن حززن أيديهن بها، قاله غير واحد، وعن مجاهد وقتادة قطعن أيديهن حتى ألقينها، فالله أعلم. وقد ذكر غير واحد أنها قالت لهن بعد ما أكلن وطابت أنفسهن، ثم وضعت بين أيديهن أترجاً، وآتت كل واحدة منهن سكيناً هل لكن في النظر إلى يوسف؟ قلن نعم، فبعثت إليه تأمره أن اخرج إليهن، فلما رأينه، جعلن يقطعن أيديهن، ثم أمرته أن يرجع ليرينه مقبلاً ومدبراً، فرجع وهن يحززن في أيديهن، فلما أحسسن بالألم، جعلن يولولن، فقالت أنتن من نظرة واحدة فعلتن هذا، فكيف ألام أنا؟ { وَقُلْنَ حَاشَ للَّهِ مَا هَـٰذَا بَشَرًا إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ } ثم قلن لها وما نرى عليك من لوم بعد هذا الذي رأينا لأنهن لم يرين في البشر شبيهه، ولا قريباً منه، فإنه عليه السلام كان قد أعطي شطر الحسن، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح في حديث الإسراء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بيوسف عليه السلام في السماء الثالثة، قال " فإذا هو قد أعطي شطر الحسن " وقال حماد بن سلمة عن ثابت، عن أنس، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أعطي يوسف وأمه شطر الحسن "

السابقالتالي
2