الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُ قَالَ يٰبُشْرَىٰ هَـٰذَا غُلاَمٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } * { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَّاهِدِينَ }

يقول تعالى مخبراً عما جرى ليوسف عليه السلام حين ألقاه إخوته وتركوه في ذلك الجب وحيداً فريداً، فمكث في البئر ثلاثة أيام، فيما قاله أبو بكر بن عياش، وقال محمد بن إسحاق لما ألقاه إخوته، جلسوا حول البئر يومهم ذلك، ينظرون ماذا يصنع، وما يصنع به، فساق الله له سيارة، فنزلوا قريباً من تلك البئر، وأرسلوا واردهم، وهو الذي يتطلب لهم الماء، فلما جاء ذلك البئر، وأدلى دلوه فيها، تشبث يوسف عليه السلام فيها، فأخرجه واستبشر به، وقال { يٰبُشْرَىٰ هَـٰذَا غُلاَمٌ }. وقرأ بعض القراء يا بشراي فزعم السدي أنه اسم رجل ناداه ذلك الرجل الذي أدلى دلوه معلماً له أنه أصاب غلاماً، وهذا القول من السدي غريب لأنه لم يسبق إلى تفسير هذه القراءة بهذا إلا في رواية عن ابن عباس، والله أعلم، وإنما معنى القراءة على هذا النحو يرجع إلى القراءة الأخرى، ويكون قد أضاف البشرى إلى نفسه، وحذف ياء الإضافة، وهو يريدها كما تقول العرب يا نفس اصبري، ويا غلام أقبل، بحذف حرف الإضافة، ويجوز الكسر حينئذ والرفع، وهذا منه، وتفسرها القراءة الأخرى يا بشراي والله أعلم. وقوله { وَأَسَرُّوهُ بِضَـٰعَةً } أي وأسره الواردون من بقية السيارة، وقالوا اشتريناه وتبضعناه من أصحاب الماء مخافة أن يشاركوهم فيه إذا علموا خبره، قاله مجاهد والسدي وابن جرير، هذا قول، وقال العوفي عن ابن عباس قوله { وَأَسَرُّوهُ بِضَـٰعَةً } يعني إخوة يوسف أسروا شأنه، وكتموا أن يكون أخاهم، وكتم يوسف شأنه مخافة أن يقتله إخوته، واختار البيع، فذكره إخوته لوارد القوم، فنادى أصحابه { يٰبُشْرَىٰ هَـٰذَا غُلاَمٌ } يباع، فباعه إخوته. وقوله { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } أي عليم بما يفعله إخوة يوسف ومشتروه، وهو قادر على تغيير ذلك ودفعه، ولكن له حكمة وقدر سابق، فترك ذلك ليمضي ما قدره وقضاهأَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } الأعراف 54 وفي هذا تعريض لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم وإعلام له بأني عالم بأذى قومك لك، وأنا قادر على الإنكار عليهم، ولكني سأملي لهم، ثم أجعل لك العاقبة والحكم عليهم، كما جعلت ليوسف الحكم والعاقبة على إخوته. وقوله { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَٰهِمَ مَعْدُودَةٍ } يقول تعالى وباعه إخوته بثمن قليل. قاله مجاهد وعكرمة، والبخس هو النقص كما قال تعالىفَلاَ يَخَافُ بَخْساً وَلاَ رَهَقاً } الجن 13 أي اعتاض عنه إخوته بثمن دون قليل، ومع ذلك كانوا فيه من الزاهدين، أي ليس لهم رغبة فيه، بل لو سألوه بلا شيء لأجابوا. قال ابن عباس ومجاهد والضحاك إن الضمير في قوله { وَشَرَوْهُ } عائد على إخوة يوسف. وقال قتادة بل هو عائد على السيارة. والأول أقوى لأن قوله { وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَٰهِدِينَ } إنما أراد إخوته، لا أولئك السيارة لأن السيارة استبشروا به، وأسروه بضاعة، ولو كانوا فيه زاهدين، لما اشتروه، فترجح من هذا أن الضمير في { وَشَرَوْهُ } إنما هو لإخوته.

السابقالتالي
2