الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ حَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْأَسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَآءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْمُجْرِمِينَ }

يذكر تعالى أنّ نَصْره ينزل على رسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين عند ضيق الحال، وانتظار الفرج من الله في أحوج الأوقات إليه كقوله تعالىوَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ } البقرة 214 الآية، وفي قوله { كَذَّبُواْ } قراءتان، إحداهما بالتشديد قد كذبوا، وكذلك كانت عائشة رضي الله عنها تقرؤها، قال البخاري حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب قال أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة أنها قالت له، وهو يسألها عن قول الله تعالى { حَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْـئَسَ ٱلرُّسُلُ } قال قلت أكُذِبوا أم كُذِّبوا؟ قالت عائشة كُذِّبوا. قلت فقد استيقنوا أن قومهم قد كذبوهم، فما هو بالظن، قالت أجل لعمري لقد استيقنوا بذلك، فقلت لها { وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ } قالت معاذ الله لم تكن الرسل تظن ذلك بربها، قلت فما هذه الآية؟ قالت هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم، فطال عليهم البلاء، واستأخر عنهم النصر { حَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْـئَسَ ٱلرُّسُلُ } ممن كذبهم من قومهم، وظنت الرسل أن أتباعهم قد كذبوهم، جاء نصر الله عند ذلك، حدثنا أبو اليمان، أنبأنا شعبة عن الزهري قال أخبرنا عروة فقلت لها لعلها قد كُذِبوا، مخففة؟ قالت معاذ الله. انتهى ما ذكره. وقال ابن جريج أخبرني ابن أبي مليكة أن ابن عباس قرأها { وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ } خفيفة. قال عبد الله، هو ابن أبي مليكة ثم قال لي ابن عباس كانوا بشراً، ثم تلاحَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ أَلاَۤ إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ } البقرة 213 قال ابن جريج وقال لي ابن أبي مليكة وأخبرني عروة عن عائشة أنها خالفت ذلك، وأبته، وقالت ما وعد الله محمداً صلى الله عليه وسلم من شيء إلا قد علم أنه سيكون حتى مات، ولكنه لم يزل البلاء بالرسل حتى ظنوا أن من معهم من المؤمنين قد كذبوهم. قال ابن أبي مليكة في حديث عروة كانت عائشة تقرؤها { وظنوا أنهم قد كُذِّبوا } مثقلة، من التكذيب. وقال ابن أبي حاتم أنبأنا يونس بن عبد الأعلى قراءة، أنبأنا ابن وهب، أخبرني سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد قال جاء إنسان إلى القاسم بن محمد، فقال إن محمد بن كعب القرظي قرأ هذه الآية { حَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْـئَسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ } فقال القاسم أخبره عني أني سمعت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول { حتى إذا استيئسَ الرسلُ وظنوا أتهم قد كُذِّبوا } تقول كذبهم أتباعهم. إسناد صحيح أيضاً. والقراءة الثانية بالتخفيف، واختلفوا في تفسيرها، فقال ابن عباس ما تقدم. وعن ابن مسعود فيما رواه سفيان الثوري عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله أنه قرأ { حَتَّىٰ إِذَا ٱسْتَيْـئَسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ } مخففة، قال عبد الله هو الذي تكره، وهذا عن ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهما، مخالف لما رواه آخرون عنهما.

السابقالتالي
2