الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ مِّنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ ٱتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }

يخبر تعالى أنه إنما أرسل رسله من الرجال لا من النساء، وهذا قول جمهور العلماء كما دل عليه سياق هذه الآية الكريمة أن الله تعالى لم يوح إِلى امرأة من بنات بني آدم وحي تشريع. وزعم بعضهم أن سارة امرأة الخليل، وأم موسى، ومريم بنت عمران أم عيسى، نبيات، واحتجوا بأن الملائكة بشرت سارة بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب، وبقولهوَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ } القصص 7 الآية، وبأن الملك جاء إلى مريم، فبشرها بعيسى عليه السلام، وبقوله تعالىوَإِذْ قَالَتِ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَـٰكِ وَطَهَّرَكِ وَٱصْطَفَـٰكِ عَلَىٰ نِسَآءِ ٱلْعَـٰلَمِينَ يٰمَرْيَمُ ٱقْنُتِى لِرَبِّكِ وَٱسْجُدِى وَٱرْكَعِى مَعَ ٱلرَٰكِعِينَ } آل عمران42-43، وهذا القدر حاصل لهن، ولكن لا يلزم من هذا أن يكن نبيات بذلك، فإن أراد القائل بنبوتهن هذا القدر من التشريف، فهذا لا شك فيه، ويبقى الكلام معه في أن هذا هل يكفي في الانتظام في سلك النبوة بمجرده أم لا؟ الذي عليه أهل السنة والجماعة، وهو الذي نقله الشيخ أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري عنهم أنه ليس في النساء نبية، وإنما فيهن صديقات كما قال تعالى مخبراً عن أشرفهن مريم بنت عمران حيث قال تعالىمَّا ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ ٱلطَّعَامَ } المائدة 75 فوصفها في أشرف مقاماتها بالصديقية، فلو كانت نبية لذكر ذلك في مقام التشريف والإعظام، فهي صدّيقة بنص القرآن. وقال الضحاك عن ابن عباس في قوله { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً } الآية، أي ليسوا من أهل السماء كما قلتم، وهذا القول من ابن عباس يعتضد بقوله تعالىوَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِى ٱلأَسْوَاقِ } الفرقان 20 الآية، وقوله تعالىوَمَا جَعَلْنَـٰهُمْ جَسَداً لاَّ يَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَمَا كَانُواْ خَـٰلِدِينَ ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ ٱلْوَعْدَ فَأَنجَيْنَاهُمْ وَمَن نَّشَآءُ وَأَهْلَكْنَا ٱلْمُسْرفِينَ } الأنبياء8-9. وقوله تعالىقُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ ٱلرُّسُلِ } الأحقاف9 الآية. وقوله { مِّنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ } المراد بالقرى المدن، لا أنهم من أهل البوادي الذين هم من أجفى الناس طباعاً وأخلاقاً، وهذا هو المعهود المعروف أن أهل المدن أرق طباعاً، وألطف من أهل سوادهم، وأهل الريف والسواد أقرب حالاً من الذين يسكنون في البوادي، ولهذا قال تعالى { ٱلأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا } الآية. وقال قتادة في قوله { مِّنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ } لأنهم أعلم وأحلم من أهل العمود. وفي الحديث الآخر أن رجلاً من الأعراب أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناقة، فلم يزل يعطيه ويزيده حتى رضي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لقد هَمَمْتُ أن لا أَتَّهِبَ هِبَةً إِلا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي أو دَوْسِيّ "

السابقالتالي
2