يخبر تعالى عن ورود يعقوب عليه السلام على يوسف عليه السلام، وقدومه بلاد مصر، لما كان يوسف قد تقدم لإخوته أن يأتوه بأهلهم أجمعين، فتحملوا عن آخرهم، وترحلوا من بلاد كنعان قاصدين بلاد مصر، فلما أخبر يوسف عليه السلام باقترابهم، خرج لتلقيهم، وأمر الملك أمراءه وأكابر الناس بالخروج مع يوسف لتلقي نبي الله يعقوب عليه السلام، ويقال إن الملك خرج أيضاً لتلقيه، وهو الأشبه، وقد أشكل قوله { ءَاوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ٱدْخُلُواْ مِصْرَ } على كثير من المفسرين، فقال بعضهم هذا من المقدم والمؤخر، ومعنى الكلام { وَقَالَ ٱدْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ } وآوى إليه أبويه، ورفعهما على العرش، ورد ابن جرير هذا، وأجاد في ذلك، ثم اختار ما حكاه عن السدي أن يوسف آوى إليه أبويه لما تلقاهما، ثم لما وصلوا باب البلد، قال { ٱدْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ } وفي هذا نظر أيضاً، لأن الإيواء إنما يكون في المنزل، كقوله { آوَىۤ إِلَيْهِ أَخَاهُ } وفي الحديث " من آوى محدثاً " وما المانع أن يكون قال لهم بعدما دخلوا عليه وآواهم إليه ادخلوا مصر، وضمنه اسكنوا مصر إن شاء الله آمنين، أي مما كنتم فيه من الجهد والقحط، ويقال - والله أعلم -إن الله تعالى رفع عن أهل مصر بقية السنين المجدبة ببركة قدوم يعقوب عليهم كما رفع بقية السنين التي دعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل مكة حين قال " اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف " ثم لما تضرعوا إليه، واستشفعوا لديه، وأرسلوا أبا سفيان في ذلك، فدعا لهم، فرفع عنهم بقية ذلك ببركة دعائه عليه السلام. وقوله { ءَاوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ } قال السدي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم إنما كان أباه وخالته، وكانت أمه قد ماتت قديماً. وقال محمد بن إسحاق وابن جرير كان أبوه وأمه يعيشان، قال ابن جرير ولم يقم دليل على موت أمه، وظاهر القرآن يدل على حياتها، وهذا الذي نصره هو المنصور الذي يدل عليه السياق. وقوله { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى ٱلْعَرْشِ } قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد يعني السرير، أي أجلسهما معه على سريره، { وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَا } أي سجد له أبواه وإخوته الباقون. وكانوا أحد عشر رجلاً، { وَقَالَ يٰأَبَتِ هَـٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَـٰىۤ مِن قَبْلُ } أي التي كان قصها على أبيه من قبل { إِنِّى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا } الآية، وقد كان هذا سائغاً في شرائعهم إذا سلموا على الكبير يسجدون له، ولم يزل هذا جائزاً من لدن آدم إلى شريعة عيسى عليه السلام، فحرم هذا في هذه الملة، وجعل السجود مختصاً بجناب الرب سبحانه وتعالى، هذا مضمون قول قتادة وغيره.