يقول تعالى { وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ } وهم الملائكة، إبراهيم بالبشرى، قيل تبشره بإسحاق، وقيل بهلاك قوم لوط، ويشهد للأول قوله تعالى{ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَٰهِيمَ ٱلرَّوْعُ وَجَآءَتْهُ ٱلْبُشْرَىٰ يُجَـٰدِلُنَا فِى قَوْمِ لُوطٍ } هود 74، { قَالُواْ سَلَـٰماً قَالَ سَلَـٰمٌ } أي عليكم، قال علماء البيان هذا أحسن مما حيوه به لأن الرفع يدل على الثبوت والدوام { فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ } أي ذهب سريعاً، فأتاهم بالضيافة، وهو عجل فتى البقر، حنيذ مشوي على الرضف، وهي الحجارة المحماة. هذا معنى ما روي عن ابن عباس وقتادة وغير واحد كما قال في الآية الأخرى{ فَرَاغَ إِلَىٰ أَهْلِهِ فَجَآءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ } الذاريات26-27 وقد تضمنت هذه الآية آداب الضيافة من وجوه كثيرة. وقوله { فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ } تنكرهم { وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً } وذلك أن الملائكة لا همة لهم إلى الطعام، ولا يشتهونه، ولا يأكلونه، فلهذا رأى حالهم معرضين عما جاءهم به، فارغين عنه بالكلية، فعند ذلك نكرهم { وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً } قال السدي لما بعث الله الملائكة لقوم لوط، أقبلت تمشي في صور رجال شبان، حتى نزلوا على إبراهيم، فتضيفوه، فلما رآهم أجلهم{ فَرَاغَ إِلَىٰ أَهْلِهِ فَجَآءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ } الذاريات 26 فذبحه، ثم شواه في الرضف، وأتاهم به، فقعد معهم، وقامت سارة تخدمهم، فذلك حين يقول - وامرأته قائمة وهو جالس - في قراءة ابن مسعود{ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ } الذاريات 27 قالوا يا إبراهيم إنا لا نأكل طعاماً إلا بثمن، قال فإن لهذا ثمناً، قالوا وما ثمنه؟ قال تذكرون اسم الله على أوله، وتحمدونه على آخره، فنظر جبريل إلى ميكائيل، فقال حق لهذا أن يتخذه ربه خليلاً، { فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ } يقول فلما رآهم لا يأكلون، فزع منهم، وأوجس منهم خيفة، فلما نظرت سارة أنه قد أكرمهم، وقامت هي تخدمهم، ضحكت وقالت عجباً لأضيافنا هؤلاء، نخدمهم بأنفسنا كرامة لهم، وهم لا يأكلون طعامنا. وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين، حدثنا نصر بن علي، حدثنا نوح بن قيس عن عثمان بن محصن في ضيف إبراهيم، قال كانوا أربعة جبريل وميكائيل وإسرافيل ورفائيل. قال نوح بن قيس فزعم نوح بن أبي شداد أنهم لما دخلوا على إبراهيم، فقرب إليهم العجل، مسحه جبريل بجناحه، فقام يدرج حتى لحق بأمه، وأم العجل في الدار، وقوله تعالى إخباراً عن الملائكة { قَالُواْ لاَ تَخَفْ } أي قالوا لا تخف منا، إنا ملائكة أرسلنا إلى قوم لوط لنهلكهم، فضحكت سارة استبشاراً بهلاكهم لكثرة فسادهم، وغلظ كفرهم، فلهذا جوزيت بالبشارة بالولد بعد الإياس، وقال قتادة ضحكت وعجبت أن قوماً يأتيهم العذاب، وهم في غفلة، وقوله { وَمِن وَرَآءِ إِسْحَـٰقَ يَعْقُوبَ } قال العوفي عن ابن عباس فضحكت، أي حاضت، وقول محمد بن قيس إنها إنما ضحكت من أنها ظنت أنهم يريدون أن يعملوا كما يعمل قوم لوط، وقول الكلبي إنها إنما ضحكت لما رأت من الروع بإبراهيم ضعفاً ووجداً، وإن كان ابن جرير قد رواهما بسنده إليهما، فلا يلتفت إلى ذلك، والله أعلم.