الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { مَثَلُ ٱلْفَرِيقَيْنِ كَٱلأَعْمَىٰ وَٱلأَصَمِّ وَٱلْبَصِيرِ وَٱلسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ }

لما ذكر تعالى حال الأشقياء، ثنى بذكر السعداء، وهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فآمنت قلوبهم، وعملت جوارحهم الأعمال الصالحة قولاً وفعلاً من الإتيان بالطاعات، وترك المنكرات، وبهذا ورثوا الجنات، المشتملة على الغرف العاليات، والسرر المصفوفات، والقطوف الدانيات، والفرش المرتفعات، والحسان الخيرات، والفواكه المتنوعات، والمآكل المشتهيات، والمشارب المستلذات، والنظر إلى خالق الأرض والسموات، وهم في ذلك خالدون، لا يموتون ولا يهرمون، ولا يمرضون ولا ينامون، ولا يتغوطون ولا يبصقون ولا يتمخطون، إن هو إلا رشح مسك يعرقون، ثم ضرب تعالى مثل الكافرين والمؤمنين فقال { مَثَلُ ٱلْفَرِيقَيْنِ } أي الذين وصفهم أولاً بالشقاء، والمؤمنين بالسعادة، فأولئك كالأعمى والأصم، وهؤلاء كالبصير والسميع، فالكافر أعمى عن وجه الحق في الدنيا والآخرة لا يهتدي إلى خير ولا يعرفه، أصم عن سماع الحجج، فلا يسمع ما ينتفع بهوَلَوْ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ } الأنفال 23 الآية. وأما المؤمن، ففطن ذكي لبيب، بصير بالحق، يميز بينه وبين الباطل، فيتبع الخير، ويترك الشر، سميع للحجة، يفرق بينها وبين الشبهة، فلا يروج عليه باطل، فهل يستوي هذا وهذا؟ { أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } أفلا تعتبرون فتفرقون بين هؤلاء وهؤلاء؟ كما قال في الآية الأخرىلاَ يَسْتَوِىۤ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ وَأَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ هُمُ ٱلْفَآئِزُونَ } الحشر 20 وكقولهوَمَا يَسْتَوِى ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ وَلاَ ٱلظُّلُمَاتُ وَلاَ ٱلنُّورُ وَلاَ ٱلظِّلُّ وَلاَ ٱلْحَرُورُ وَمَا يَسْتَوِى ٱلاَْحْيَآءُ وَلاَ ٱلاَْمْوَاتُ إِنَّ ٱللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَآءُ وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِى ٱلْقُبُورِ إِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ إِنَّآ أَرْسَلْنَـٰكَ بِٱلْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ } فاطر19-24.