الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ } * { لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } * { وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } * { وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ } * { وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } * { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ }

هذه السورة سورة البراءة من العمل الذي يعمله المشركون، وهي آمرة بالإخلاص فيه، فقوله تعالى { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَـٰفِرُونَ } يشمل كل كافر على وجه الأرض، ولكن المواجهين بهذا الخطاب هم كفار قريش، وقيل إنهم من جهلهم، دعوا رسول الله صلى الله عليه وسلمإلى عبادة أوثانهم سنة، ويعبدون معبوده سنة، فأنزل الله هذه السورة، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم فيها أن يتبرأ من دينهم بالكلية، فقال { لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } يعني من الأصنام والأنداد { وَلاَ أَنتُمْ عَـٰبِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } وهو الله وحده لا شريك له، ف ــــ ما ههنا بمعنى من، ثم قال { وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ وَلاَ أَنتُمْ عَـٰبِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } أي ولا أعبد عبادتكم، أي لا أسلكها، ولا أقتدي بها، وإنما أعبد الله على الوجه الذي يحبه ويرضاه، ولهذا قال { وَلاَ أَنتُمْ عَـٰبِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } أي لا تقتدون بأوامر الله وشرعه في عبادته، بل قد اخترعتم شيئاً من تلقاء أنفسكم كما قالإِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَمَا تَهْوَى ٱلأَنفُسُ وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ ٱلْهُدَىٰ } النجم 23. فتبرأ منهم في جميع ما هم فيه، فإن العابد لا بد له من معبود يعبده، وعبادة يسلكها إليه، فالرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه يعبدون الله بما شرعه، ولهذا كان كلمة الإسلام لا إله إلا الله، محمد رسول الله، أي لا معبود إلا الله، ولا طريق إليه إلا ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، والمشركون يعبدون غير الله عبادة لم يأذن بها الله، ولهذا قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِينِ } كما قال تعالىوَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّى عَمَلِى وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيۤئُونَ مِمَّآ أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِىۤءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ } يونس 41 وقاللَنَآ أَعْمَـٰلُنَا وَلَكُمْ أَعْمَـٰلُكُمْ } القصص 55. وقال البخاري يقال { لَكُمْ دِينَكُمْ } الكفر، { وَلِىَ دِينِ } الإسلام، ولم يقل ديني لأن الآيات بالنون، فحذف الياء كما قالفَهُوَ يَهْدِينِ } الشعراء 78 ويَشْفِينِ } الشعراء 80 وقال غيره لا أعبد ما تعبدون الآن، ولا أجيبكم فيما بقي من عمري، ولا أنتم عابدون ما أعبد، وهم الذين قالوَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَـٰناً وَكُفْراً } المائدة 64 انتهى ما ذكره. ونقل ابن جرير عن بعض أهل العربية أن ذلك من باب التأكيد كقولهفَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } الشرح 5 ــــ 6 وكقولهلَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ ٱلْيَقِينِ } التكاثر 6 ــــ 7 وحكاه بعضهم كابن الجوزي وغيره عن ابن قتيبة، فالله أعلم. فهذه ثلاثة أقوال أولها ما ذكرناه أولاً والثاني ما حكاه البخاري وغيره من المفسرين أن المراد { لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلاَ أَنتُمْ عَـٰبِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } في الماضي { وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ وَلاَ أَنتُمْ عَـٰبِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } في المستقبل.

السابقالتالي
2