الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ } * { أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ } * { وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ } * { تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ } * { فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ }

هذه من النعم التي امتن الله بها على قريش فيما صرف عنهم من أصحاب الفيل، الذين كانوا قد عزموا على هدم الكعبة، ومحو أثرها من الوجود، فأبادهم الله، وأرغم أنوفهم، وخيب سعيهم، وأضل عملهم، وردهم بشر خيبة، وكانوا قوماً نصارى، وكان دينهم إذ ذاك أقرب حالاً مما كان عليه قريش من عبادة الأوثان، ولكن كان هذا من باب الإرهاص والتوطئة لمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه في ذلك العام ولد، على أشهر الأقوال، ولسان حال القدر يقول لم ننصركم يا معشر قريش على الحبشة لخيرتكم عليهم، ولكن صيانة للبيت العتيق الذي سنشرفه ونعظمه، ونوقره ببعثة النبي الأمي محمد صلوات الله وسلامه عليه، خاتم الأنبياء. وهذه قصة أصحاب الفيل على وجه الإيجاز والاختصار والتقريب قد تقدم في قصة أصحاب الأخدود أن ذا نواس، وكان آخر ملوك حمير، وكان مشركاً، وهو الذي قتل أصحاب الأخدود، وكانوا نصارى، وكانوا قريباً من عشرين ألفاً، فلم يفلت منهم إلا دوس ذو ثعلبان، فذهب فاستغاث بقيصر ملك الشام، وكان نصرانياً، فكتب له إلى النجاشي ملك الحبشة لكونه أقرب إليهم، فبعث معه أميرين أرياط، وأبرهة بن الصباح أبا يكسوم، في جيش كثيف، فدخلوا اليمن، فجاسوا خلال الديار، واستلبوا الملك من حمير، وهلك ذو نواس غريقاً في البحر، واستقل الحبشة بملك اليمن، وعليهم هذان الأميران أرياط، وأبرهة، فاختلفا في أمرهما، وتصاولا وتقاتلا وتصافا، فقال أحدهما للآخر إنه لا حاجة بنا إلى اصطدام الجيشين بيننا، ولكن ابرز إلي، وأبرز إليك، فأينا قتل الآخر، استقل بعده بالملك، فأجابه إلى ذلك، فتبارزا، وخلف كل واحد منهما قناة، فحمل أرياط على أبرهة، فضربه بالسيف، فشرم أنفه وفمه، وشق وجهه، وحمل عتودة مولى أبرهة على أرياط، فقتله، ورجع أبرهة جريحاً، فداوى جرحه فبرأ، واستقل بتدبير جيش الحبشة باليمن. فكتب إليه النجاشي يلومه على ما كان منه، ويتوعده، ويحلف ليطأن بلاده، ويجزن ناصيته، فأرسل إليه أبرهة يترفق له، ويصانعه، وبعث مع رسوله بهدايا وتحف، وبجراب فيه من تراب اليمن، وجز ناصيته، فأرسلها معه، ويقول في كتابه ليطأ الملك على هذا الجراب فيبر قسمه، وهذه ناصيتي قد بعثت بها إليك فلما وصل ذلك إليه أعجبه منه ورضي عنه وأقره على عمله، وأرسل أبرهة يقول للنجاشي إني سأبني لك كنيسة بأرض اليمن لم يبن قبلها مثلها، فشرع في بناء كنيسة هائلة بصنعاء، رفيعة البناء، عالية الفناء، مزخرفة الأرجاء، سمتها العرب القليس لارتفاعها لأن الناظر إليها تكاد تسقط قلنسوته عن رأسه من ارتفاع بنائها، وعزم أبرهة الأشرم على أن يصرف حج العرب إليها كما يحج إلى الكعبة بمكة، ونادى بذلك في مملكته، فكرهت العرب العدنانية والقحطانية ذلك، وغضبت قريش لذلك غضباً شديداً، حتى قصدها بعضهم، وتوصل إلى أن دخلها ليلاً، فأحدث فيها، وكرَّ راجعاً، فلما رأى السدنة ذلك الحدث، رفعوا أمره إلى ملكهم أبرهة، وقالوا له إنما صنع هذا بعض قريش غضباً لبيتهم الذي ضاهيت هذا به، فأقسم أبرهة ليسيرن إلى بيت مكة، وليخربنه حجراً حجراً.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7