الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ فَمَا ٱخْتَلَفُواْ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }

يخبر تعالى عما أنعم به على بني إِسرائيل من النعم الدينية والدنيوية. وقوله { مُبَوَّأَ صِدْقٍ } قيل هو بلاد مصر والشام مما يلي بيت المقدس ونواحيه فإن الله تعالى لما أهلك فرعون وجنوده، استقرت يد الدولة الموسوية على بلاد مصر بكمالها كما قال الله تعالىوَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَـٰرِقَ ٱلأَرْضِ وَمَغَـٰرِبَهَا ٱلَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ ٱلْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِىۤ إِسْرءِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ } الأعراف 137 وقال في الآية الأخرىفَأَخْرَجْنَـٰهُمْ مِّن جَنَّـٰتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَـٰهَا بَنِىۤ إِسْرَٰءِيلَ } الشعراء 57-59 وقالكَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّـٰتٍ وَعُيُونٍ } الدخان 25 الآيات، ولكن استمروا مع موسى عليه السلام طالبين إلى بلاد بيت المقدس، وهي بلاد الخليل عليه السلام، فاستمر موسى بمن معه طالباً بيت المقدس، وكان فيه قوم من العمالقة، فنكل بنو إِسرائيل عن قتالهم، فشردهم الله تعالى في التيه أربعين سنة، ومات فيه هارون، ثم موسى، عليهما السلام، وخرجوا بعدهما مع يوشع بن نون، ففتح الله عليهم بيت المقدس، واستقرت أيديهم عليها إلى أن أخذها منهم بختنصر حيناً من الدهر، ثم عادت إِليهم، ثم أخذها ملوك اليونان، فكانت تحت أحكامهم مدة طويلة، وبعث الله عيسى بن مريم عليه السلام في تلك المدة، فاستعانت اليهود قبحهم الله على معاداة عيسى عليه السلام بملوك اليونان، وكانت تحت أحكامهم، ووشوا عندهم، وأوحوا إليهم أن هذا يفسد عليكم الرعايا، فبعثوا من يقبض عليه، فرفعه الله إليه، وشبه لهم بعض الحواريين بمشيئة الله وقدره، فأخذوه فصلبوه، واعتقدوا أنه هووَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً } النساء 158 ثم بعد المسيح عليه السلام بنحو ثلثمائة سنة، دخل قسطنطين أحد ملوك اليونان في دين النصرانية، وكان فيلسوفاً قبل ذلك، فدخل في دين النصارى، قيل تقية، وقيل حيلة ليفسده، فوضعت له الأساقفة منهم قوانين وشريعة بدعوها وأحدثوها، فبنى لهم الكنائس والبيع الكبار والصغار والصوامع والهياكل والمعابد والقلايات، وانتشر دين النصرانية في ذلك الزمان، واشتهر على ما فيه من تبديل وتغيير وتحريف ووضع وكذب ومخالفة لدين المسيح، ولم يبق على دين المسيح على الحقيقة منهم إِلا القليل من الرهبان، فاتخذوا لهم الصوامع في البراري والمهامه والقفار. واسستحوذت يد النصارى على مملكة الشام والجزيرة وبلاد الروم، وبنى هذا الملك المذكور مدينة قسطنطينية، والقمامة، وبيت لحم، وكنائس ببلاد بيت المقدس، ومدن حوران كبصرى وغيرها من البلدان بناءات هائلة محكمة، وعبدوا الصليب من حينئذ، وصلوا إلى الشرق، وصوروا الكنائس، وأحلوا لحم الخنزير وغير ذلك مما أحدثوه من الفروع في دينهم والأصول، ووضعوا له الأمانة الحقيرة التي يسمونها الكبيرة، وصنفوا له القوانين، وبسط هذا يطول.

السابقالتالي
2