الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّىٰ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } * { آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { فَٱلْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ }

يذكر تعالى كيفية إغراقه فرعون وجنوده، فإن بني إِسرائيل لما خرجوا من مصر بصحبة موسى عليه السلام، وهم فيما قيل ستمائة ألف مقاتل سوى الذرية، وقد كانوا استعاروا من القُبط حلياً كثيراً، فخرجوا به معهم، فاشتد حنق فرعون عليهم، فأرسل في المدائن حاشرين يجمعون له جنوده من أقاليمه، فركب وراءهم في أبهة عظيمة وجيوش هائلة لما يريده الله تعالى بهم، ولم يتخلف عنه أحد ممن له دولة وسلطان في سائر مملكته، فلحقوهم وقت شروق الشمسفَلَمَّا تَرَآءَا ٱلْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَـٰبُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } الشعراء 61 وذلك أنهم لما انتهوا إِلى ساحل البحر، وفرعون وراءهم، ولم يبق إِلا أن يتقاتل الجمعان، وألح أصحاب موسى عليه السلام عليه في السؤال كيف المخلص مما نحن فيه؟ فيقول إني أمرت أن أسلك ههناكَلاَّ إِنَّ مَعِىَ رَبِّى سَيَهْدِينِ } الشعراء 62 فعند ما ضاق الأمر، اتسع، فأمره الله تعالى أن يضرب البحر بعصاه، فضربه، فانفلق البحر فكان كل فرق كالطود العظيم، أي كالجبل العظيم وصار اثني عشر طريقاً، لكل سبط واحد، وأمر الله الريح فنشفت أرضهفَٱضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِى ٱلْبَحْرِ يَبَساً لاَّ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَ تَخْشَىٰ } طه 77 وتخرق الماء بين الطرق كهيئة الشبابيك ليرى كل قوم الآخرين لئلا يظنوا أنهم هلكوا. وجاوزت بنو إِسرائيل البحر، فلما خرج آخرهم منه، انتهى فرعون وجنوده إِلى حافته من الناحية الأخرى، وهو في مائة ألف أدهم، سوى بقية الألوان، فلما رأى ذلك، هاله وأحجم وهاب، وهمَّ بالرجوع، وهيهات، ولات حين مناص، نفذ القدر، واستجيبت الدعوة. وجاء جبريل عليه السلام على فرس وديق حائل، فمر إِلى جانب حصان فرعون، فحمحم إليها، واقتحم جبريل البحر، فاقتحم الحصان وراءه، ولم يبق فرعون يملك من نفسه شيئاً فتجلد لأمرائه، وقال لهم ليس بنو إسرائيل بأحق بالبحر منا، فاقتحموا كلهم عن آخرهم، وميكائيل في ساقتهم، لا يترك منهم أحداً إلا ألحقه بهم، فلما استوسقوا فيه، وتكاملوا، وهمَّ أولهم بالخروج منه، أمر الله القدير البحر أن يرتطم عليهم، فارتطم عليهم فلم ينج منهم أحد، وجعلت الأمواج ترفعهم وتخفضهم وتراكمت الأمواج فوق فرعون وغشيته سكرات الموت، فقال وهو كذلكءَامَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِى ءَامَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَٰءِيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } يونس 90 فآمن حيث لا ينفعه الإيمانفَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ وَكَـفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَـٰنُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى قَدْ خَلَتْ فِى عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْكَافِرُونَ } غافر84-85 ولهذا قال الله تعالى في جواب فرعون حين قال ما قال { ءَالئَٰنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ } أي أهذا الوقت تقول، وقد عصيت الله قبل هذا فيما بينك وبينه { وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ } أي في الأرض الذين أضلوا الناس

السابقالتالي
2 3