الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً قُلْ ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى ٱللَّهِ تَفْتَرُونَ } * { وَمَا ظَنُّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ }

قال ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم نزلت إنكاراً على المشركين فيماكانوا يحللون ويحرمون من البحائر والسوائب والوصايل كقوله تعالىوَجَعَلُواْ لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلأَنْعَامِ نَصِيباً } الأنعام 136 الآيات، وقال الإمام أحمد حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن أبي إسحاق، سمعت أبا الأحوص - وهو عوف بن مالك بن نضلة - يحدث عن أبيه قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا رث الهيئة، فقال " هل لك مال؟ " قلت نعم. قال " من أي المال؟ " قال قلت من كل المال من الإِبل والرقيق والخيل والغنم، فقال " إِذا آتاك الله مالاً فَلْيُرَ عليك - وقال - هل تنتج إِبلك صحاحاً آذانها، فتعمد إلى موسى فتقطع آذانها، فتقول هذه بحر، وتشق جلودها، وتقول هذه صرم، وتحرمها عليك وعلى أهلك " قال نعم، قال " فإن ما آتاك الله لك حل، ساعدُ الله أشدُّ من ساعدك، وموسى الله أحدّ من موساك " وذكر تمام الحديث. ثم رواه عن سفيان بن عيينة عن أبي الزعراء عمرو بن عمرو عن عمه أبي الأحوص، وعن بهز بن أسد عن حماد بن سلمة عن عبد الملك بن عمير عن أبي الأحوص به، وهذا حديث جيد قوي الإسناد، وقد أنكر الله تعالى على من حرم ما أحل الله، أو أحل ما حرم بمجرد الآراء والأهواء التي لا مستند لها، ولا دليل عليها، ثم توعدهم على ذلك يوم القيامة فقال { وَمَا ظَنُّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } أي ما ظنهم أن يصنع بهم يوم مرجعهم إلينا يوم القيامة؟ وقوله { إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ } قال ابن جرير في تركه معاجلتهم بالعقوبة في الدنيا قلت ويحتمل أن يكون المراد لذو فضل على الناس فيما أباح لهم مما خلقه من المنافع في الدنيا، ولم يحرم عليهم إلا ما هو ضار لهم في دنياهم أو دينهم { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ } بل يحرمون ما أنعم الله به عليهم، ويضيقون على أنفسهم، فيجعلون بعضاً حلالاً، وبعضاً حراماً. وهذا قد وقع فيه المشركون فيما شرعوه لأنفسهم، وأهل الكتاب فيما ابتدعوه في دينهم. وقال ابن أبي حاتم في تفسير هذه الآية حدثنا أبي، حدثنا أحمد بن أبي الحواري، حدثنا رباح حدثنا عبد الله بن سليمان، حدثنا موسى بن الصباح في قوله عز وجل { إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ } قال إذا كان يوم القيامة، يؤتى بأهل ولاية الله عز وجل، فيقومون بين يدي الله عز وجل ثلاثة أصناف، قال فيؤتى برجل من الصنف الأول، فيقول عبدي لماذا عملت؟ فيقول يا رب خلقت الجنة وأشجارها وثمارها وأنهارها وحورها ونعيمها، وما أعددت لأهل طاعتك فيها، فأسهرت ليلي، وأظمأت نهاري شوقاً إليها - قال - فيقول الله تعالى عبدي إنما عملت للجنة هذه الجنة فادخلها، ومن فضلي عليك قد أعتقتك من النار، ومن فضلي عليك أن أدخلك جنتي، فيدخل هو ومن معه الجنة - قال - ثم يؤتى برجل من الصنف الثاني، فيقول عبدي لماذا عملت؟ فيقول يا رب خلقت ناراً، وخلقت أغلالها وسعيرها وسمومها ويحمومها، وما أعددت لأعدائك وأهل معصيتك فيها فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري خوفاً منها، فيقول عبدي إنما عملت ذلك خوفاً من ناري، فإني قد أعتقتك من النار، ومن فضلي عليك أن أدخلك جنتي، فيدخل هو ومن معه الجنة.

السابقالتالي
2