الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا مَثَلُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ ٱلنَّاسُ وَٱلأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَآ أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَآ أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِٱلأَمْسِ كَذٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } * { وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }

ضرب تبارك وتعالى مثلاً لزهرة الحياة الدنيا وزينتها وسرعة انقضائها وزوالها، بالنبات الذي أخرجه الله من الأرض، بماء أنزل من السماء، مما يأكل الناس من زروع وثمار على اختلاف أنواعها وأصنافها، وما تأكل الأنعام من أبَ وقضب وغير ذلك، { حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلأَرْضُ زُخْرُفَهَا } أي زينتها الفانية { وَٱزَّيَّنَتْ } أي حسنت بما خرج من رباها من زهور نضرة مختلفة الأشكال والألوان { وَظَنَّ أَهْلُهَآ } الذين زرعوها وغرسوها { أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ } أي على جذاذها وحصادها، فبينما هم كذلك، إِذ جاءتها صاعقة أو ريح شديدة باردة، فأيبست أوراقها، وأتلفت ثمارها، ولهذا قال تعالى { أَتَاهَآ أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا } أي يابساً بعد الخضرة والنضارة { كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِٱلأَمْسِ } أي كأنها ما كانت حسناء قبل ذلك. وقال قتادة كأن لم تغن كأن لم تنعم، وهكذا الأمور بعد زوالها كأنها لم تكن. ولهذا جاء في الحديث " يؤتى بأنعم أهل الدنيا، فيغمس في النار غمسة، فيقال له هل رأيت خيراً قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول لا، ويؤتى بأشد الناس عذاباً في الدنيا، فيغمس في النعيم غمسة، ثم يقال له هل رأيت بؤساً قط؟ فيقول لا " وقال تعالى إِخباراً عن المهلكينفَأَصْبَحُواْ فِى دِيَارِهِمْ جَـٰثِمِينَ كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ } هود94-95 ثم قال تعالى { كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَـٰتِ } أي نبين الحجج والأدلة { لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } فيعتبرون بهذا المثل في زوال الدنيا من أهلها سريعاً، مع اغترارهم بها، وتمكنهم وثقتهم بمواعيدها، وتفلتها عنهم، فإن من طبعها الهرب ممن طلبها، والطلب لمن هرب منها، وقد ضرب الله تعالى مثل الدنيا بنبات الأرض في غير ما آية من كتابه العزيز، فقال في سورة الكهفوَٱضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنْزَلْنَـٰهُ مِنَ ٱلسَّمَاءِ فَٱخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ ٱلأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ ٱلرِّياحُ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ مُّقْتَدِرًا } الكهف 45 وكذا في سورة الزمر والحديد، يضرب الله بذلك مثل الحياة الدنيا. وقال ابن جرير حدثني الحارث، حدثنا عبد العزيز، حدثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبد الرحمن بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال سمعت مروان، يعني ابن الحكم، يقرأ على المنبر وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها، وما كان الله ليهلكهم إِلا بذنوب أهلها قال قد قرأتها، وليست في المصحف، فقال عباس بن عبد الله بن عباس هكذا يقرؤها ابن عباس، فأرسلوا إلى ابن عباس، فقال هكذا أقرأني أبي بن كعب، وهذه قراءة غريبة، وكأنها زيدت للتفسير. وقوله تعالى { وَٱللَّهُ يَدْعُوۤ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلاَمِ } الآية. لما ذكر تعالى الدنيا وسرعة زوالها، رغب في الجنة، ودعا إِليها، وسماها دار السلام، أي من الآفات، والنقائص والنكبات، فقال { وَٱللَّهُ يَدْعُوۤ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلاَمِ وَيَهْدِى مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } قال أيوب عن أبي قلابة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال

السابقالتالي
2