الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ }

قرأ بعض القراء ملك يوم الدين وقرأ آخرون مالك وكلاهما صحيح متواتر في السبع، ويقال ملك بكسر اللام وبإسكانها، ويقال مليك أيضاً. وأشبع نافع كسرة الكاف، فقرأ ملكي يوم الدين وقد رجح كلاً من القراءتين مرجحون من حيث المعنى، وكلتاهما صحيحة حسنة، ورجح الزمخشري ملك لأنها قراءة أهل الحرمين، ولقولهلِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ } غافر 16 وقولهقَوْلُهُ ٱلْحَقُّ وَلَهُ ٱلْمُلْكُ } الأنعام 73 وحكي عن أبي حنيفة أنه قرأ { مَلَكَ يَوْمَ الدينِ } على أنه فعل وفاعل ومفعول، وهذا شاذ غريب جداً وقد روى أبو بكر بن أبي داود في ذلك شيئاً غريباً حيث قال حدثنا أبو عبد الرحمن الأزدي، حدثنا عبد الوهاب بن عدي بن الفضل عن أبي المطرف عن ابن شهاب أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان ومعاوية وابنه يزيد بن معاوية كانوا يقرؤون مالك يوم الدين قال ابن شهاب وأول من أحدث " ملك " مروان قلت مروان عنده علم بصحة ما قرأه لم يطلع عليه ابن شهاب والله أعلم. وقد روي من طرق متعددة أوردها ابن مردويه أن رسول لله صلى الله عليه وسلم كان يقرؤها مالك يوم الدين ومالك مأخوذ من الملك كما قال تعالىإِنَّا نَحْنُ نَرِثُ ٱلأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } مريم 40 وقالقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ مَلِكِ ٱلنَّاسِ } الناس 1 - 2 ومَلِك مأخوذ من المُلك كما قال تعالىلِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَٰحِدِ القَهَّارِ } غافر 16 وقالقَوْلُهُ ٱلْحَقُّ وَلَهُ ٱلْمُلْكُ } الأنعام 73 وقالٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ لِلرَّحْمَـٰنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ عَسِيراً } الفرقان 26 وتخصيص الملك بيوم الدين لا ينفيه عما عداه لأنه قد تقدم الإخبار بأنه رب العالمين، وذلك عامّ في الدنيا والآخرة، وإنما أضيف إلى يوم الدين لأنه لا يدعي أحد هنالك شيئاً، ولا يتكلم أحد إلا بإذنه كما قال تعالىيَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلْمَلَـٰئِكَةُ صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَقَالَ صَوَاباً } النبأ 38 وقال تعالىوَخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَـٰنِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً } طه 108 وقال تعالىيَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِىٌّ وَسَعِيدٌ } هود 105 وقال الضحاك عن ابن عباس { مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ } يقول لا يملك أحد معه في ذلك اليوم حكماً كملكهم في الدينا، قال ويوم الدين يوم الحساب للخلائق، وهو يوم القيامة، يدينهم بأعمالهم، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، إلا من عفا عنه، وكذلك قال غيره من الصحابة والتابعين والسلف وهو ظاهر. وحكى ابن جرير عن بعضهم أنه ذهب إلى أن تفسير مالك يوم الدين أنه القادر على إقامته، ثم شرع يضعفه، والظاهر أنه لا منافاة بين هذا القول وما تقدم، وأن كلاً من القائلين هذا القول وبما قبله يعترف بصحة القول الآخر ولا ينكره، ولكن السياق أدل على المعنى الأول من هذا، كما قال تعالى

السابقالتالي
2