الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُواْ بِٱللَّهِ وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ ٱسْتَأْذَنَكَ أُوْلُواْ ٱلطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُواْ ذَرْنَا نَكُنْ مَّعَ ٱلْقَاعِدِينَ } * { رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ } * { لَـٰكِنِ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلْخَيْرَاتُ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { وَجَآءَ ٱلْمُعَذِّرُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ وَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ } من القرآن ويجوز أن يراد بها بعضها. { أَن آمِنُوا بِاللهِ } بأن آمنوا بالله ويجوز أن تكون أن المفسرة. { وَجَـٰهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ ٱسْتَأْذَنَكَ أُوْلُواْ ٱلطَّوْلِ مِنْهُمْ } ذوو الفضل والسعة. { وَقَالُواْ ذَرْنَا نَكُنْ مَّعَ ٱلْقَـٰعِدِينَ } الذين قعدوا لعذر.

{ رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلْخَوٰلِفِ } مع النساء جمع خالفه وقد يقال الخالفة للذي لا خير فيه. { وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ } ما في الجهاد وموافقة الرسول من السعادة وما في التخلف عنه من الشقاوة.

{ لَـٰكِنِ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَهُ جَـٰهَدُواْ بِأَمْوٰلِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ } أي إن تخلف هؤلاء ولم يجاهدوا فقد جاهد من هو خير منهم. { وَأُوْلَـئِكَ لَهُمُ ٱلْخَيْرَاتُ } منافع الدارين النصر والغنيمة في الدنيا والجنة والكرامة في الآخرة. وقيل الحور لقوله تعالى؛فِيهِنَّ خَيْرٰتٌ حِسَانٌ } [الرحمن: 70] وهي جمع خيرة تخفيف خيرة. { وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } الفائزون بالمطالب.

{ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } بيان لما لهم من الخيرات الأخروية.

{ وَجَاء ٱلْمُعَذّرُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ } يعني أسداً وغطفان استأذنوا في التخلف معتذرين بالجهد وكثرة العيال. وقيل هم رهط عامر بن الطفيل قالوا إن غزونا معك أغارت طيىء على أهالينا ومواشينا. والمعذر إما من عذر في الأمر إذا قصر فيه موهماً أن له عذراً ولا عذر له، أو من اعتذر إذا مهد العذر بادغام التاء في الذال ونقل حركتها إلى العين، ويجوز كسر العين لالتقاء الساكنين وضمها للاتباع لكن لم يقرأ بهما. وقرأ يعقوب { ٱلْمُعَذّرُونَ } من أعذر إذا اجتهد في العذر. وقرىء { ٱلْمُعَذّرُونَ } بتشديد العين والذال على أنه من تعذر بمعنى اعتذر وهو لحن إذ التاء لا تدغم في العين، وقد اختلف في أنهم كانوا معتذرين بالتصنع أو بالصحة فيكون قوله: { وَقَعَدَ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } في غيرهم وهم منافقو الأعراب كذبوا الله ورسوله في إدعاء الإِيمان وإن كانوا هم الأولين فكذبهم بالاعتذار. { سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ } من الأعراب أو من المعذرين فإن منهم من اعتذر لكسله لا لكفره { عَذَابٌ أَلِيمٌ } بالقتل والنار.

{ لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَاء وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ } كالهرمى والزمنى. { وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ } لفقرهم كجهينة ومزينة وبني عذرة. { حَرَجٌ } إثمٌ في التأخر. { إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ } بالإِيمان والطاعة في السر والعلانية كما يفعل الموالي الناصح، أو بما قدروا عليه فعلاً أو قولاً يعود على الإِسلام والمسلمين بالصلاح { مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ } أي ليس عليهم جناح ولا إلى معاتبتهم سبيل وإنما وضع المحسنين موضع الضمير للدلالة على أنهم منخرطون في سلك المحسنين غير معاتبين لذلك. { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } لهم أو للمسيء فكيف للمحسن.