الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّآ آتَاهُمْ مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ } * { فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَآ أَخْلَفُواْ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ } * { أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ } * { ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ ٱلْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ ٱللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ } * { فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ ٱللَّهِ وَكَرِهُوۤاْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي ٱلْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ } * { فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }

{ فَلَمَّا ءاتَاهُمْ مّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ } منعوا حق الله منه. { وَتَوَلَّواْ } عن طاعة الله. { وَهُم مُّعْرِضُونَ } وهم قوم عادتهم الإِعراض عنها.

{ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِى قُلُوبِهِمْ } أي فجعل الله عاقبة فعلهم ذلك نفاقاً وسوء اعتقاد في قلوبهم، ويجوز أن يكون الضمير للبخل والمعنى فأورثهم البخل نفاقاً متمكناً في قلوبهم. { إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ } يلقون الله بالموت أو يلقون عملهم أي جزاءه وهو يوم القيامة { بِمَا أَخْلَفُواْ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ } بسبب إخلافهم ما وعدوه من التصدق والصلاح. { وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ } وبكونهم كاذبين فيه فإن خلف الوعد متضمن للكذب مستقبح من الوجهين أو المقال مطلقاً وقرىء { يَكْذِبُونَ } بالتشديد.

{ أَلَمْ يَعْلَمُواْ } أي المنافقون أو من عاهد الله وقرىء بالتاء على الالتفات. { أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ } ما أسروه في أنفسهم من النفاق أو العزم على الإخلاف. { وَنَجْوٰهُم } وما يتناجون به فيما بينهم من المطاعن، أو تسمية الزكاة جزية. { وَأَنَّ ٱللَّهَ عَلَّـٰمُ ٱلْغُيُوبِ } فلا يخفى عليه ذلك.

{ ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ } ذم مرفوع أو منصوب أو بدل من الضمير في سرهم. وقرىء { يُلْمِزُونَ } بالضم. { ٱلْمُطَّوّعِينَ } المتطوعين. { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَـٰتِ } روي: أنه صلى الله عليه وسلم حث على الصدقة، فجاء عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف درهم وقال كان لي ثمانية آلاف درهم فأقرضت ربي أربعة وأمسكت لعيالي أربعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بارك الله لك فيما أعطيت وفيما أمسكت " فبارك الله له حتى صولحت إحدى امرأتيه عن نصف الثمن على ثمانين ألف درهم، وتصدق عاصم بن عدي بمائة وسق من تمر، وجاء أبو عقيل الأنصاري بصاع تمر فقال بت ليلتي أجر بالجرير على صاعين فتركت صاعاً لعيالي وجئت بصاع، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينثره على الصدقات فلمزهم المنافقون وقالوا: ما أعطى عبد الرحمن وعاصم إلا رياء ولقد كان الله ورسوله لغنيين عن صاع أبي عقيل ولكنه أحب أن يذكر بنفسه ليعطى من الصدقات. فنزلت: { وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ } إلا طاقتهم. وقرىء بالفتح وهو مصدر جهد في الأمر إذا بالغ فيه. { فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ } يستهزئون بهم. { سَخِرَ ٱللَّهُ مِنْهُمْ } جازاهم على سخريتهم كقوله تعالى:ٱللَّهُ يَسْتَهْزِئ بِهِمْ } [البقرة: 15] { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } على كفرهم.

{ ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ } يريد به التساوي بين الأمرين في عدم الإفادة لهم كما نص عليه بقوله: { إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ }. روي أن عبد الله بن عبد الله بن أبي وكان من المخلصين سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرض أبيه أن يستغفر له، ففعل عليه الصلاة والسلام فنزلت، فقال عليه الصلاة والسلام: لأزيدن على السبعين فنزلت:

السابقالتالي
2