الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي ٱلْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلْعُلْيَا وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } * { لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ وَلَـٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ ٱلشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَوِ ٱسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } * { عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ ٱلْكَاذِبِينَ } * { لاَ يَسْتَأْذِنُكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلْمُتَّقِينَ } * { إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَٱرْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ } * { وَلَوْ أَرَادُواْ ٱلْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ ٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْقَاعِدِينَ } * { لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ ٱلْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ } * { لَقَدِ ٱبْتَغَوُاْ ٱلْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ ٱلأُمُورَ حَتَّىٰ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ ٱللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ } * { وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ٱئْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلا فِي ٱلْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَافِرِينَ }

{ إِلاَّ تَنفِرُواْ } إن لا تنفروا إلى ما استنفرتم إليه. { يُعَذّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً } بالإهلاك بسبب فظيع كقحط وظهور عدو. { وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ } ويستبدل بكم آخرين مطيعين كأهل اليمن وأبناء فارس. { وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا } إذ لا يقدح تثاقلكم في نصر دينه شيئاً فإنه الغني عن كل شيء وفي كل أمر. وقيل الضمير للرسول صلى الله عليه وسلم أي ولا تضروه فإن الله سبحانه وتعالى وعد له بالعصمة والنصر ووعده حق. { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَيْء قَدِيرٌ } فيقدر على التبديل وتغيير الأسباب والنصرة بلا مدد كما قال.

{ إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ } أي إن لم تنصروه فسينصره الله كما نصره. { إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ } ولم يكن معه إلا رجل واحد، فحذف الجزاء وأقيم ما هو كالدليل عليه مقامه، أو إن لم تنصروه فقد أوجب الله له النصر حتى نصره في مثل ذلك الوقت فلن يخذله في غيره، وإسناد الإِخراج إلى الكفرة لأن همهم بإخراجه أو قتله تسبب لإذن الله له بالخروج. وقرىء { ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ } بالسكون على لغة من يجري المنقوص مجرى المقصور في الإعراب ونصبه على الحال. { إِذْ هُمَا فِى ٱلْغَارِ } بدل من إذ أخرجه بدل البعض إذ المراد به زمان متسع، والغار نقب في أعلى ثور وهو جبل في يمنى مكة على مسيرة ساعة مكثا فيه ثلاثاً. { إِذْ يَقُولُ } بدل ثان أو ظرف لثاني. { لِصَاحِبِهِ } وهو أبو بكر رضي الله تعالى عنه { لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا } بالعصمة والمعونة. روي (أن المشركين طلعوا فوق الغار فأشفق أبو بكر رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما ظنك باثنين الله ثالثهما " فأعماهم الله عن الغار فجعلوا يترددون حوله فلم يروه). وقيل لما دخلا الغار بعث الله حمامتين فباضتا في أسفله والعنكبوت فنسجت عليه. { فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ } أمنته التي تسكن عندها القلوب. { عَلَيْهِ } على النبي صلى الله عليه وسلم، أو على صاحبه وهو الأظهر لأنه كان منزعجاً. { وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا } يعني الملائكة أنزلهم ليحرسوه في الغار أو ليعينوه على العدو يوم بدر والأحزاب وحنين، فتكون الجملة معطوفة على قوله { نَصَرَهُ ٱللَّهُ }. { وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ } يعني الشرك أو دعوة الكفر. { وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِىَ ٱلْعُلْيَا } يعني التوحيد أو دعوة الإِسلام، والمعنى وجعل ذلك بتخليص الرسول صلى الله عليه وسلم عن أيدي الكفار إلى المدينة فإنه المبدأ له، أو بتأييده إياه بالملائكة في هذه المواطن أو بحفظه ونصره له حيث حضر. وقرأ يعقوب { وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ } بالنصب عطفاً على كلمة { ٱلَّذِينَ } ، والرفع أبلغ لما فيه من الإِشعار بأن { كَلِمَةَ ٱللَّهِ } عالية في نفسها وإن فاق غيرها فلا ثبات لتفوقه ولا اعتبار ولذلك وسط الفصل.

السابقالتالي
2 3