الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن ٱلسَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ ٱلشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ ٱلأَقْدَامَ }

{ إِذْ يُغَشّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ } بدل ثان من { إِذْ يَعِدُكُمُ } لإِظهار نعمة ثالثة أو متعلق بالنصر أو بما في عند الله معنى الفعل، أو بجعل أو بإضمار اذكر. وقرأ نافع بالتخفيف من أغشيته الشيء إذا غشيته إياه والفاعل على القراءتين هو الله تعالى وقرأ ابن كثير وأبو عمر «يغشاكم النعاس» بالرفع. { أَمَنَةً مّنْهُ } أمنا من الله، وهو مفعول له باعتبار المعنى فإن قوله { يُغَشّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ } متضمن معنى تنعسون، و «يغشاكم» بمعناه، والـ { ءامِنَةً } فعل لفاعله ويجوز أن يراد بها الإِيمان فيكون فعل المغشي، وأن تجعل على القراءة الأخيرة فعل النعاس على المجاز لأنها لأصحابه، أو لأنه كان من حقه أن لا يغشاكم لشدة الخوف فلما غشيهم فكأنه حصلت له أمنة من الله لولاها لم يغشهم كقوله:
يَهَابُ النَّوْمُ أنْ يَغْشَى عُيُونا   تَهَابُكَ فَهُوَ نَفَّارٌ شَرُودُ
وَقرىء { ءامِنَةً } كرحمة وهي لغة. { وَيُنَزّلُ عَلَيْكُم مّن ٱلسَّمَاء مَاء لّيُطَهّرَكُمْ بِهِ } من الحدث والجنابة. { وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ ٱلشَّيْطَـٰنِ } يعني الجنابة لأنها من تخييله، أو وسوسته وتخويفه إياهم من العطش. روي أنهم نزلوا في كثيب أعفر تسوخ فيه الأقدام على غير ماء وناموا فاحتلم أكثرهم وقد غلب المشركون على الماء، فوسوس إليهم الشيطان وقال: كيف تنصرون، وقد غلبتم على الماء وأنتم تصلون محدثين مجنبين وتزعمون أنكم أولياء الله، وفيكم رسوله فأشفقوا فأنزل الله المطر، فمطروا ليلاً حتى جرى الوادي واتخذوا الحياض على عدوته وسقوا الركاب واغتسلوا وتوضؤوا، وتلبد الرمل الذي بينهم وبين العدو حتى ثبتت عليه الأقدام وزالت الوسوسة. { وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ } بالوثوق على لطف الله بهم. { وَيُثَبّتَ بِهِ ٱلأَقْدَامَ } أي بالمطر حتى لا تسوخ في الرمل، أو بالربط على القلوب حتى تثبت في المعركة.