الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } * { قَالَ يَٰقَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَٰكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ } * { أُبَلِّغُكُمْ رِسَٰلٰتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ } * { أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَٱذكُرُوۤاْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي ٱلْخَلْقِ بَصْطَةً فَٱذْكُرُوۤاْ ءَالآءَ ٱللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ ٱللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } * { قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَٰدِلُونَنِي فِيۤ أَسْمَآءٍ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنْتُمْ وَآبَآؤكُمُ مَّا نَزَّلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَٱنْتَظِرُوۤاْ إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُنْتَظِرِينَ } * { فَأَنجَيْنَاهُ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ } * { وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِيۤ أَرْضِ ٱللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

{ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ } متمكناً في خفة عقل راسخاً فيها حيث فارقت دين قومك. { وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الكَاذِبِينَ }.

{ قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بي سَفَاهَة وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ العَالَمِينَ }.

{ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ }.

{ أَوَ عَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِركُمْ } سبق تفسيره. وفي إجابة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الكفرة عن كلماتهم الحمقاء بما أجابوا والإِعراض عن مقابلتهم كمال النصح والشفقة وهضم النفس وحسن المجادلة، وهكذا ينبغي لكل ناصح، وفي قوله: { وأنا لكم ناصح أمين } تنبيه على أنهم عرفوه بالأمرين. وقرأ أبو عمرو { أبلغكم } في الموضعين في هذه السورة وفي «الأحقاف» مخففاً. { وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ } أي في مساكنهم، أو في الأرض بأن جعلكم ملوكاً فإن شداد بن عاد ممن ملك معمورة الأرض من رمل عالج إلى شجر عمان. خوفهم من عقاب الله ثم ذكرهم بإنعامه. { وَزَادَكُمْ فِي الخَلْقِ بَسْطَةً } قامة وقوة. { فَاذْكُروا آلاءَ اللَّهِ } تعميم بعد تخصيص. { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } لكي يفضي بكم ذكر النعم إلى شكرها المؤدي إلى الفلاح.

{ قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ الله وَحْدَهُ وَنَذَر مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا } استبعدوا اختصاص الله بالعبادة والأعراض عما أشرك به آباؤهم انهماكاً في التقليد وحباً لما ألفوه، ومعنى المجيء في { أجئتنا } إما المجيء من مكان اعتزل به عن قومه أو من السماء على التهكم، أو القصد على المجاز كقولهم ذهب يسبني. { فَائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا } من العذاب المدلول عليه بقوله { أفلا تتقون }. { إنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقينَ } فيه.

{ قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ } قد وجب وحق عليكم، أو نزل عليكم على أن المتوقع كالواقع. { مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ } عذاب من الارتجاس وهو الاضطراب. { وَغَضَبٌ } إرادة انتقام. { أَتُجَادِلُونَني فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ الله بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ } أي في أشياء سميتموها آلهة وليس فيها معنى الإِلهية، لأن المستحق للعبادة بالذات هو الموجد للكل، وأنها لو استحقت كان استحقاقها بجعله تعالى إما بإنزال آية أو بنصب حجة، بين أن منتهى حجتهم وسندهم أن الأصنام تسمى آلهة من غير دليل يدل على تحقق المسمى، وإسناد الاطلاق إلى من لا يؤبه بقوله إظهاراً لغاية جهالتهم وفرط غباوتهم، واستدل به على أن الاسم هو المسمى وأن اللغات توقيفية إذ لو لم يكن كذلك لم يتوجه الذم والإِبطال بأنها أسماء مخترعة لم ينزل الله بها سلطاناً وضعفهما ظاهر. { فَانْتَظِرُوا } لما وضح الحق وأنتم مصرون على العناد نزول العذاب بكم. { إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ المُنْتَظِرِينَ }.

{ فَأَنّجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ } في الدين. { بِرَحْمَةٍ مِنَّا } عليهم. { وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بَآيَاتِنَا } أي استأصلناهم. { وَمَا كَانُوا مُؤْمِنينَ } تعريض بمن آمن منهم، وتنبيه على أن الفارق بين من نجا وبين من هلك هو الإِيمان.

السابقالتالي
2