الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ ٱلْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ ٱلسُّوۤءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَماَّ تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّآ أَثْقَلَتْ دَّعَوَا ٱللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ } * { فَلَمَّآ آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ آتَاهُمَا فَتَعَالَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ } * { وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلآ أَنْفُسَهُمْ يَنصُرُونَ } * { وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَٰمِتُونَ }

{ قُل لا أَمْلِكُ لِنَفْسِى نَفْعًا وَلاَ ضَرّا } جلب نفع ولا دفع ضر، وهو إظهار للعبودية والتبري من ادعاء العلم بالغيوب. { إِلاَّ مَا شَاء ٱللَّهُ } من ذلك فيلهمني إياه ويوفقني له، { وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ ٱلْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِىَ ٱلسُّوء } ولو كنت أعلمه لخالفت حالي ما هي عليه من استكثار المنافع واجتناب المضار حتى لا يمسني سوء. { إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ } ما أنا إلا عبد مرسل للإنذار والبشارة. { لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } فإنهم المنتفعون بهما، ويجوز أن يكون متعلقاً بالـ { بَشِيرٍ } ومتعلق الـ { نَّذِيرٍ } محذوف.

{ هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ } هو آدم. { وَجَعَلَ مِنْهَا } من جسدها من ضلع من أضلاعها، أو من جنسها كقوله:جَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا } [الشورى: 11] { زَوْجَهَا } حواء. { لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا } ليستأنس بها ويطمئن إليها اطمئنان الشيء إلى جزئه أو جنسه، وإنما ذكر الضمير ذهاباً إلى المعنى ليناسب. { فَلَمَّا تَغَشَّاهَا } أي جامعها. { حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا } خف عليها ولم تلق منه ما تلقى منه الحوامل غالباً من الأذى، أو محمولاً خفيفاً وهو النطفة. { فَمَرَّتْ بِهِ } فاستمرت به أي قامت وقعدت، وقرىء { فَمَرَّتْ } بالتخفيف وفاستمرت به وفمارت من المور وهو المجيء والذهاب، أو من المرية أي فظنت الحمل وارتابت منه. { فَلَمَّا أَثْقَلَت } صارت ذات ثقل بكبر الولد في بطنها. وقرىء على البناء للمفعول أي أثقلها حملها. { دَّعَوَا ٱللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ ءاتَيْنَا صَـٰلِحاً } ولداً سوياً قد صلح بدنه. { لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ } لك على هذه النعمة المجددة.

{ فَلَمَّا ءاتَـٰهُمَا صَـٰلِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا ءاتَـٰهُمَا } أي جعل أولادهما له شركاء فيما آتى أولادهما فسموه عبد العزى وعبد مناف على حذف مضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، ويدل عليه قوله: { فَتَعَـٰلَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }.

{ أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ } يعني الأصنام. وقيل: لما حملت حواء أتاها إبليس في صورة رجل فقال لها: ما يدريك ما في بطنك لعله بهيمة أو كلب وما يدريك من أين يخرج، فخافت من ذلك وذكرته لآدم فهما منه ثم عاد إليها وقال: إني من الله بمنزلة فإن دعوت الله أن يجعله خلقاً مثلك ويسهل عليك خروجه تسميه عبد الحرث، وكان اسمه حارثاً بين الملائكة فتقبلت، فلما ولدت سمياه عبد الحرث. وأمثال ذلك لا تليق بالأنبياء ويحتمل أن يكون الخطاب في { خَلَقَكُمْ } لآل قصي من قريش، فإنهم خلقوا من نفس قصي وكان له زوج من جنسه عربية قرشية وطلبا من الله الولد فأعطاهما أربعة بنين فسمياهم: عبد مناف، وعبد شمس، وعبد قصي، وعبد الدار. ويكون الضمير في { يُشْرِكُونَ } لهما ولأعقابهما المقتدين بهما. وقرأ نافع وأبو بكر «شركاً» أي شركة بأن أشركا فيه غيره أو ذوي شرك وهم الشركاء، وهم ضمير الأصنام جيء به على تسميتهم إياها آلهة.

السابقالتالي
2