الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ } * { قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } * { قَالَ فَٱهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَٱخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ ٱلصَّاغِرِينَ } * { قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } * { قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ } * { قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } * { ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } * { قَالَ ٱخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَّدْحُوراً لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ } * { ويَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } * { فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَالِدِينَ } * { وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّاصِحِينَ }

{ وَلَقَدْ خَلَقْنَـٰكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَـٰكُمْ } أي خلقنا أباكم آدم طيناً غير مصور ثم صورناه. نزل خلقه وتصويره منزلة خلق الكل وتصويره، أو ابتدأنا خلقكم ثم تصويركم بأن خلقنا آدم ثم صورناه. { ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَـٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ } وقيل ثم لتأخير الإخبار. { فَسَجَدُواْ إِلا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مّنَ ٱلسَّـٰجِدِينَ } ممن سجد لآدم.

{ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ } أي أن تسجد ولا صلة مثلها في لئلا يعلم، مؤكدة معنى الفعل الذي دخلت عليه، ومنبهة على أن الموبخ عليه ترك السجود. وقيل الممنوع عن الشيء مضطر إلى خلافه فكأنه قيل: ما اضطرك إلى ألا تسجد. { إِذْ أَمَرْتُكَ } دليل على أن مطلق الأمر للوجوب والفور. { قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مّنْهُ } جواب من حيث المعنى استأنف به استبعاداً لأن يكون مثله مأموراً بالسجود لمثله كأنه قال: المانع أني خير منه، ولا يحسن للفاضل أن يسجد للمفضول، فكيف يحسن أن يؤمر به. فهو الذي سن التكبر وقال بالحسن والقبح العقليين أولاً. { خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } تعليل لفضله عليه، وقد غلط في ذلك بأن رأى الفضل كله باعتبار العنصر وغفل عما يكون باعتبار الفاعل كما أشار إليه بقوله تعالى:مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ } [ص: 75] أي بغير واسطة، وباعتبار الصورة كما نبه عليه بقوله:وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى فَقَعُواْ لَهُ سَـٰجِدِينَ } [الحجر: 29] وباعتبار الغاية وهو ملاكه ولذلك أمر الملائكة بسجوده لما بين لهم أنه أعلم منهم، وأن له خواص ليست لغيره، والآية دليل الكون والفساد وأن الشياطين أجسام كائنة، ولعل إضافة خلق الإنسان إلى الطين والشيطان إلى النار باعتبار الجزء الغالب.

{ قَالَ فَٱهْبِطْ مِنْهَا } من السماء أو الجنة. { فَمَا يَكُونُ لَكَ } فما يصح. { أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا } وتعصي فإنها مكان الخاشع والمطيع. وفيه تنبيه على أن التكبر لا يليق بأهل الجنة وأنه سبحانه وتعالى إنما طرده وأهبطه لتكبره لا لمجرد عِصيانه. { فَٱخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ ٱلصَّـٰغِرِينَ } ممن أهانه الله لتكبره، قال عليه الصلاة والسلام " من تواضع رفعه الله ومن تكبر وضعه الله " { قَالَ أَنظِرْنِى إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } أمهلني إلى يوم القيامة فلا تمتني، أو لا تعجل عقوبتي.

{ قَالَ إِنَّكَ مِنَ ٱلمُنظَرِينَ } يقتضي الإجابة إلى ما سأله ظاهراً لكنه محمول على ما جاء مقيداً بقوله تعالى:إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ } [الحجر: 38] وهو النفخة الأولى، أو وقت يعلم الله انتهاء أجله فيه، وفي إسعافه إليه ابتلاء العباد وتعريضهم للثواب بمخالفته { قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِى } أي بعد أن أمهلتني لاجتهدن في إغوائهم بأي طريق يمكنني بسبب إغوائك إياي بواسطتهم تسمية، أو حملاً على الغي، أو تكليفاً بما غويت لأجله والباء متعلقة بفعل القسم المحذوف لا بأقعدن فإن اللام تصد عنه فإن القسم: { لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ } ترصداً بهم كما يقعد القطاع للسابلة.

السابقالتالي
2 3