الرئيسية - التفاسير


* تفسير انوار التنزيل واسرار التأويل/ البيضاوي (ت 685 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ ٱللَّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْخَاسِرُونَ } * { أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَآ أَن لَّوْ نَشَآءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } * { تِلْكَ ٱلْقُرَىٰ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَٰتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلْكَٰفِرِينَ } * { وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَآ أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ } * { ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَىٰ بِآيَٰتِنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ فَظَلَمُواْ بِهَا فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { وَقَالَ مُوسَىٰ يٰفِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { حَقِيقٌ عَلَىٰ أَنْ لاَّ أَقُولَ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } * { قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ }

{ أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ ٱللَّهِ } تكرير لقوله: { أَفَأَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَى } و { مَكْرَ ٱللَّهِ } استعارة لاستدراج العبد وأخذه من حيث لا يحتسب. { فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ } الذين خسروا بالكفر وترك النظر والاعتبار.

{ أَوَ لَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا } أي يخلفون من خلا قبلهم ويرثون ديارهم، وإنما عدي يهد باللام لأنه بمعنى يبين. { أَن لَّوْ نَشَاء أَصَبْنَـٰهُمْ بِذُنُوبِهِمْ } أن الشأن لو نشاء أصبناهم بجزاء ذنوبهم كما أصبنا من قبلهم، وهو فاعل يهد ومن قرأه بالنون جعله مفعولاً. { وَنَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } عطف على ما دل عليه، أو لم يهد أي يغفلون عن الهداية أو منقطع عنه بمعنى ونحن نطبع، ولا يجوز عطفه على أصبناهم على أنه بمعنى وطبعنا لأنه في سياقه جواب لولا فضائه إلى نفي الطبع عنهم { فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } سماع تفهم واعتبار.

{ تِلْكَ ٱلْقُرَىٰ } يعني قرى الأمم المار ذكرهم. { نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَائِهَا } حال إن جعل { ٱلْقُرَىٰ } خبراً وتكون إفادته بالتقييد بها، وخبر إن جعلت صفة ويجوز أن يكونا خبرين و { مِنْ } للتبعيض أي نقص بعض أنبائها، ولها أنباء غيرها لا نقصها. { وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيّنَـٰتِ } بالمعجزات. { فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ } عند مجيئهم بها. { بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ } بما كذبوه من قبل الرسل بل كانوا مستمرين على التكذيب، أو فما كانوا ليؤمنوا مدة عمرهم بما كذبوا به أولاً حين جاءتهم الرسل، ولم تؤثر فيهم قط دعوتهم المتطاولة والآيات المتتابعة، واللام لتأكيد النفي والدلالة على أنهم ما صلحوا للإِيمان لمنافاته لحالهم في التصميم على الكفر والطبع على قلوبهم. { كَذَلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلْكَـٰفِرِينَ } فلا تلين شكيمتهم بالآيات والنذر. { وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم } لأكثر الناس، والآية اعتراض أو لأكثر الأمم المذكورين. { مِّنْ عَـهْدٍ } من وفاء عهد، فإن أكثرهم نقضوا ما عهد الله إليهم في الإِيمان والتقوى بإنزال الآيات ونصب الحجج، أو ما عاهدوا إليه حين كانوا في ضرر مخافة مثللَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ } [يونس: 22] { وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ } أي علمناهم. { لَفَـٰسِقِينَ } من وجدت زيداً إذا لحافظ لدخول أن المخففة واللام الفارقة، وذلك لا يسوغ إلا في المبتدأ والخبر والأفعال الداخلة عليهما، وعند الكوفيين إن للنفي واللام بمعنى إلا.

{ ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَىٰ } الضمير للرسل في قوله: { وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم } أو للأمم. { بِـئَايَـٰتِنَا } يعني المعجزات. { إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا } بأن كفروا بها مكان الإِيمان الذي هو من حقها لوضوحها، ولهذا المعنى وضع ظلموا موضع كفروا. وفرعون لقب لمن ملك مصر ككسرى لمن ملك فارس وكان اسمه قابوس. وقيل الوليد بن مصعب بن الريان. { فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ }.

السابقالتالي
2